هناك أناس يخلطون الأوراق ولا يميزون بين الأبيض والأسود، فيضعون الأمور في غير مكانها الصحيح فيأثمون، خذوا عندكم مثلا على ما أقول، عندما يرتكب المرء ذنبا يسمى مذنبا، ويتحمل خطأه، وهذا أمر بديهي ومسلّم به، أفيجوز أن نحمّل أخاه خطأه؟ أو نقاطع قريبه من أجله أو صاحبه؟ ما ذنب أخيه وقريبه أو حتى صاحبه لنحمله ذنبا لم يفعله؟ ليس من العدل والإنصاف أن نحاسب أحدا على ذنب شخص آخر، كيف نجعل من لا ذنب له مذنبا؟ وبأي شريعة ودين سماوي وقانون يكون مثل هذا الأمر؟!
والغريب والمزعج حقا أن البعض يسيرون على نظرية أن الخير يخص والشر يعم، فإذا أخطأ أخي أو قريبي حملت جريرته وأشركت بذنبه، وهو أمر حاصل عندنا، فما ذنبي إذا أخطأ أخي أو قريبي؟ كيف أكون شريكا له بفعل لم أفعله؟
إن المولى عز وجل سنّ لنا قانونا نسير عليه مفاده ألا يجازى على السيئة إلا صاحبها، ويا من جعلت الخير يخص والشر يعم ألم تقرأ قول المولى عز وجل: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
أيأخذ الرجل بجريرة صاحبه؟ كيف نطبق هذا المبدأ الباطل؟ إن هذا السلوك ينم عن قصر نظر صاحبه، وضيق أفقه، وعدم فهمه الحياة على أصولها، كما أنه لا يخلو من الظلم، يقول ابن العربي: الأدلة القاطعة قد قامت على أن أحدا لا يعاقب بذنب أحد، لا على العموم ولا على الخصوص، وتحضرني قصة تناسب هذه القسمة الضيزى التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالحجاج بن يوسف في عز سلطانه وجبروته وشدته، دخل عليه رجل فاستأذنه في الكلام فأذن له فقال: أصلح الله الأمير، أغضض عني بصرك، وأرعني سمعك، واكفف عني سيفك، فإن سمعت زللا أو خطأ دونك والعقوبة، فقال له الحجاج وقد أعجبه كلامه: قل أسمع، قال: عصى عاص من عرض عشيرتي، فحلق على اسمي، وهدم منزلي، وحرمت عطائي، وأخذت بذنب غيري، فقال له الحجاج: هيهات هيهات، أوما سمعت قول الشاعر:
جانيك من يجني عليك وقد
تعدي الصحاح مبارك الجرب
ولرب مأخوذ بذنب عشيرة
ونجا المقارف صاحب الذنب
فقال الرجل: سمعت الباري عز وجل يقول خلاف ما ذكرت، فقال الحجاج: «وما ذاك» قال: يقول المولى عز من قائل: (قَالُواْ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ* قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذًا لَّظَالِمُونَ) «سورة يوسف»، فنادى الحجاج كاتبه يزيد بن أبي مسلم، وقال له: أفكك لهذا الرجل عن اسمه، واصكك له بعطائه، وابن له منزله، ومر مناديا ينادي بين الناس: صدق الله تعالى وكذب الشاعر، وهذه القصة درس وعبرة لمن يعتبر. ودمتم سالمين.