ليس جحا وحده المظلوم، ولكن كثيرا من الناس ظلموا في هذه الدنيا ولم يجدوا ناصرا إلا الله تعالى، والله يمهل للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أما جحا تلك الشخصية التاريخية الظريفة التي تحدثت عنها كتب التاريخ فقد ظلم ظلما بينا سآتي على ذكره، وجحا هذا شخصية متداهية يتظاهر بالغباء وهو من أذكى الأذكياء.
وهذا ما فهمناه عن هذه الشخصية، ولكن بعد البحث الطويل عرفنا خلاف ما ذكر عنه، وتبين لنا أن كل ما نسب إليه مجرد خيال لا يمت للحقيقة بصلة، ولكنه كشخصية، موجود في عدة أزمنة، فهناك جحا في العصر الأموي، وجحا في العصر العباسي، وجحا العصر العثماني، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ فقال: هو نصر الدين جحا شخصية فكاهية انتشرت في كثير من الثقافات القديمة، ونسب هذا الاسم إلى أناس عدة، وعاشت في عصور كثيرة، ومجتمعات مختلفة، وأضاف أن جحا لا ينصرف لأنه معدول من جاح، ونسب جحا أيضا إلى رجل يقال له «دجين الفزاري» الذي عاصر الدولة الأموية وهو أقدم وأشهر جحا عرف في التاريخ الإسلامي، وقد عاش مائة عام.
وقال الشيرازي: كان جحا رجلا ظريفا، وكل ما يقال به كذب وافتراء وليس صحيحا، أما الإمام ابن الجوزي فقال: هو أبو الغصن، روي عنه ما يدل على ذكائه وفطنته، وذكره الجاحظ في رسالته وقال إن اسمه جحا نوح، وقال المؤرخ ناصر الدين الدمشقي إن اسمه إسحاق، وغالب ما يروى عنه لا أصل له وإنما من نسج الخيال، مثل قصة حي بن يقظان وكليلة ودمنة، وأعود إلى جحا الأشهر المولود في الكوفة بالنصف الثاني من القرن الهجري الأول، بحدود 60 للهجرة، وقد قضى معظم حياته في هذه المدينة.
وقد ذكر عباد بن صهيب أن جحا حدثه ويقصد الحديث النبوي، وانه من أعقل الناس، ولم ير أعقل منه، وأردف قائلا: لعله كان يمزح أيام شبيبته، فلما شاخ أقبل على شأنه، حتى توفي عن سن عالية في خلافة محمد المهدي العباسي، وفرق ابن حجر العسقلاني بين جحا البصري وهو دجين الفزاري وجحا الذي اسمه نوح الذي استقر في الكوفة، والمهم عندنا أن كل ما ألصق بهذه الشخصية عار عن الصحة تماما، وهذا ليس قولي ولا رأيي وإنما ما قاله المؤرخون الذين ذكرتهم، وحكاية جحا ليست بعيدة عن شخصية عمارة بن زياد التي شوهت بالأعمال الفنية، وهو في الحقيقة عكس ذلك فلقبه الوهاب لشدة سخائه، ويقال له ولإخوته الكمل، وقد وصف بأنه لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يضاف، فكيف يوصف بالجبن والميوعة، والحديث ذو شجون. ودمتم سالمين.