اليأس هو فقد الأمل وانقطاع الرجاء، وقد يصاب المرء باليأس والإحباط، فيتضايق ويعيش في عزلة بعيدا عن الناس، ولكن مهما بلغ بك اليأس مبلغه فلا تيأس من رحمة الله تعالى فهو أقرب إليك من حبل الوريد، ولاشك أن اليأس والرجاء يتصارعان في نفس المرء حتى يفارق الدنيا مهما بلغ به العمر مادام به رمق، ومن توكل على الله فهو حسبه، والمرء في هذه الدنيا عرضة للخطأ والفشل في مراحل حياته، وربما كرر خطأه رغما عنه، فعليه ألا يستسلم لذلك، ولا يجعل من الهم كابوسا يؤرقه ويقض مضجعه، وليثق بأن كل ما يحدث له من خير أو شر إنما هو أمر الله الذي لا راد له، وفي ذلك يقول المولى عز وجل (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) «الحديد: 22 - 23»، أما ما مضى وانقضى فلا سبيل لعودته وتداركه فلا تنغص على نفسك بتذكره ولا تمنيها الباطل وبما لا يكون، ولا تجلب الهم والحزن لنفسك وتظل يومك واجما قلقا كئيبا على أمر وقع لم تستطع له دفعا، وانظر أمامك ولا تلتفت خلفك، وارم بهمومك عباب البحر ويسر الأمور تتيسر بإذن الله:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة
أبدا وما هو كائن سيكون
سيكون ما هو كائن في وقته
وأخو الجهالة متعب محزون
إن من الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي ألا تتحسر على ما فاتك من أمور الدنيا فلا فائدة لك في ذلك وإنما تزداد هما على هم، وعليك بالرضا بما قسمه الله لك، وأن تجعل ما فاتك حافزا لك لتجنب أخطاء الماضي، ودرسا تتعلم منه، واعلم أنه لا هم أكبر من هم الآخرة وان الدنيا زائلة بحذافيرها، فدعك مما فات واستعد لما هو آت، وافتح صفحة التفاؤل والأمل، ان الندم على ما فات تضييع للوقت ولا فائدة لك منه والوقت مهم جدا في حياتك:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع
يقول الإمام ابن الجوزي: «العاقل لا يخلو من الحزن لأنه يتفكر في سالف ذنوبه، فيحزن على تفريطه، فأما إذا كان الحزن لأجل الدنيا وما فات منها فليدفعه العاقل عن نفسه وأقوى علاجه أن يعلم انه لا يرد فائتا وإنما يضم إلى المصيبة مصيبة، فتصير اثنتين، والمصيبة ينبغي أن تخفف عن القلب وتدفع، فإذا استعمل الحزن والجزع ازدادت ثقلا» إن الإيمان بقضاء الله وقدره يزيل ندم المرء على ما فاته وفرط فيه، وإن لم يزله فإنه يخففه ويضبطه، ودمتم سالمين.