«سقط سهوا» عبارة ظهرت مع بداية صدور الصحف العربية، وليس ضمن الأمثال الواردة منذ تاريخنا القديم، وهي اعتذار مهذب واستدراك لما فات، والسهو قسم من أقسام النسيان، حيث يغفل القلب عن الشيء فلا يتذكره، وهذا وارد في كل الأحوال، ولا بأس في ذلك ولا ضرر ولا ضرار، فنحن بشر ننسى ونسهو ونغفل ثم نعود فنتذكر.
وكثيرا ما سمعنا هذه العبارة في وسائل الإعلام المتعددة وبكثرة، لأن الإنسان إذا تحدث حديثا طويلا ربما فاتته بعض الأمور، وعموما فالعبارة قريبة إلى حد ما من القول الآخر: «جل من لا يسهو» و«سقط سهوا» تعني نسيت ذكر شيء ما وغفلت عنه ولم أعد أتذكره دون تعمد مني أو قصد، وهذا أمر طبيعي، فالنسيان نعمة وراحة للإنسان، ولولا النسيان لكنا في حال ثان.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر والكلام يجر بعضه بعضا، فأول من قال: جل من لا يسهو أبوجهم بن حذيفة العدوي القرشي وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة جرت له يوم معركة اليرموك عام 14 للهجرة، لا مجال لذكرها هنا.
وعموما، النفس البشرية عرضة للسهو والنسيان، فنحن نسهو أحيانا في صلاتنا فيلتبس علينا وننسى كم ركعة صلينا، فنسجد سجدتي السهو كي تكون صلاتنا صحيحة مثلما علمنا حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجميل ان نستدرك سهونا ونتذكر ما غفلنا عنه ونصححه، فالإذعان للحق شجاعة وفضيلة، ولكن هناك أمرا مهما للغاية علينا معرفته وهو أن هناك شيئا اسمه «سقط سهوا» وهناك شيئا آخر اسمه أسقط عمدا بعذر السهو، وبين سقط وأسقط فرق كبير، فمن أسقط سهوا ألغي دوره تماما بتعمد بعذر السهو، وهذا ما لا يجوز ولا يقبل على الإطلاق لأنه لا بد من إعطاء كل ذي حق حقه، فلا سهو مع الحق ولا نسيان، وإن سهوت فراجع الحق واستدرك الخطأ، والأمثلة على ذلك كثيرة، فتجد مثلا مسؤول دائرة ميت الضمير يسقط اسم موظف نشط ومجتهد وملتزم بمواعيد عمله في دائرته من سجل الترقيات والعلاوات من أجل أن يضع اسم موظف آخر يقضي له مصالحه ويجامله ويحابيه، وإذا سأله الموظف المظلوم عن سبب عدم إدراج اسمه في كشف الترقيات يقول له: أعذرني فقد سقط اسمك سهوا من كشف الترقيات دون تعمد «والجايات أحسن من الرايحات»، وهذا كلام مأخوذ خيره لا ينفي الظلم والحيف الذي وقع على هذا الموظف المسكين، ولا يلغي الخطأ المتعمد الذي ارتكبه المسؤول في حقه من أجل مصالح شخصية، فقد خان المسؤول شرف المهنة، وحسابه على الله تعالى.
وعلى نفس السياق تجد مراجعا يثني على نظام إدارة زارها ويقول: كل موظفي هذه الإدارة على قدر المسؤولية، وهم قائمون بواجبهم على أكمل وجه، ويسقط سهوا اسم مديرهم الذي سن هذا النظام وراقبه وتابعه متابعة حثيثة وأشرف عليه، وهذا ما لا يجوز ولا يقبل، فالحق أحق أن يتبع، وهنا يتضح لنا الفرق بين «سقط سهوا» و«أسقط بعذر السهو». ودمتم سالمين.