كم هو جميل أن يصل عمرك إلى 55 وأنت في ربيع شبابك، منعم بصحة وعافية بدنية تقوم بما عليك من واجبات للخالق وللخلق! كم هو جميل أن يكون لك كوكبة من الأصدقاء الذين عايشوا أيامك الأولى ومازالوا يتعايشون معك! كم هو جميل أن يكون عملك خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى فيرسل لك الله من يعمل لرضاك! كم هو جميل أن يكون لك طلبة يشتاقون لحديثك معهم وعلمك لهم وتعلمك منهم! كم هو جميل أن تكتب ويقرأ ما تكتب أمثالك عزيزي القارئ!
عزيزي القارئ، أنا هنا لا أعتب ولا أتذمر ولا أشعر بالضيق أبدا، أنا هنا أنقل إليك تجربة السنين لأستفيد منها وتستفيد أنت أيضا، تعلم يا عزيزي أن الإنسان لا يتغير أبدا بفضل عدالة الخالق، لكن الزمن هو الذي تغير، ففي زماننا لا يصلح أن تقول «الصديق وقت الضيق»، بل قل عند الضيق يسقط الصديق، فما أكثر من سقطوا حتى أصبحنا لا نلتفت إليهم، ولا تخشى الأعداء في هذا الزمن وإنما عليك أن تحرص من غدر الأصدقاء، الذين يتشدقون بالشعارات والكلمات الناعمة، وأعلم بأن الصديق هو من يلحق الأقوال بالأفعال، واعلم أيضا أن إخلاص كثير من الناس «إلا ما رحم ربي»، ليس لك بل إخلاصهم لحاجاتهم عندك، فعندما تنتهي حاجاتهم يتلاشى إخلاصهم لك. فالصداقة الحقيقية يا عزيزي هي شراع يحركه الوفاء والمواقف الطيبة الراسخة، فاحرص على ألا ترفع شراعك إلا أمام رياح لها من الوفاء والتاريخ والعطاء ما لها، لأن وجعك لك، لك فقط، لا صديق يقاسمك ولا حبيب يحمل عنك هذا الوجع، فاعتن بنفسك واحذر أن تعيش لغيرك أو تنفخ البالون أكبر من حجمه الطبيعي، فاحذر كل الحذر.
عزيزي القارئ، الحياة مدرسة وستتعلم منها أن الصديق الذي لا يشاركك أحزانك ليس له قيمة عند فرحك، فأيام الحزن والشدائد هي من تحدد الصديق، وليس أيام الفرح التي سأعيشها عما قريب بإذن الله، لأن ظني بالله لا يخيب أبدا فهو القائل سبحان وتعالى في الحديث القدسي «أنا عند ظن عبدي بي»، عندها ألقي التحية والتحية فقط على أصدقاء الاتصالات. نعم شعور صعب أن تتلاشى الصداقة عند الشدائد في هذا الزمن، وليس غريبا أن تختفى أيضا سنين العشرة بغفلة لأنك أصبحت علة ومشقة عليهم. هل تعلم يا عزيزي القارئ بأني سعيد وسعيد جدا لابتعادهم عني، وأبشرك لقد أيقنت بأنني كنت مخطئا لكثرة صداقاتي ومخالطاتي لأشباه الأصدقاء. قبل أن أختم عزيزي القارئ هذا عامي التاسع وأنا أعاني من أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل، وكل الأدلة والبراهين والشهود والتقارير وحتى أحكام في صالحي، لكن هناك سر إلهي في الأمر ستكشفه الأيام القادمة، فادع لي، فقد مزقت دفتر الصداقات كما مزقها الشاعر عبدالرحمن العشماوي، حين قال:
قالوا: رماك بما يسوؤك صاحب
ما لا تحب تلونا وتثعلبا
فأجبت من قالوا بأني لم أزل
أرجو له الغفران فيما أذنبا
قالوا: تطاول، فقلت كم متطاول
أمسى رفيقا للهموم معذبا
قالوا: لقد كذب الحديث، فقلت:
ما شأني بمن وضع الحديث وكذبا!
إني أقول لمن جفاه صديقه
كنت أنت في ليل الجفاء الكوكبا
فكم من صديق جنى الأسى
وجنى انتكاس القلب حين تقلبا