لفت انتباهي خلال الفترة الماضية القصيرة اعتزام العديد من الحكومات في مختلف دول العالم حتى أوروبا نفسها زيادة الرواتب، وذلك في محاولة لحماية المواطن من تأثيرات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا بعدما ألقت بظلالها على اقتصاد العالم، وجعلت الغلاء سمة مصاحبة لكل شيء، ونحن هنا في الكويت تعالت أصوات مطالبة بزيادة الرواتب وانتشرت الهاشتاقات المنادية بذلك، وبرر المواطنون مطلبهم بعجز البعض منهم عن توفير مستلزمات الحياة لنفسه أو لأسرته في ظل موجة الغلاء.
ولكن بقليل من التريث والتفكير مليا بالأمر، هل الغلاء أمر أم سمة جديدة لدينا وهل هذه المرة الأولى التي نستغيث فيها من الغلاء؟ بالطبع لا، ولا يخفى عن أحد أن أغلب أبناء الشعب الكويتي يعانون أشد المعاناة من ارتفاع الأسعار في كل شيء وكثيرا ما طالبوا الحكومات المتعاقبة على مدار العقود الماضية بضرورة إيجاد حل جذري للغلاء، لإرغام بعض التجار على التخلي عن جشعهم وسعيهم لتحصيل أكبر قدر من الأرباح حتى ولو كان على حساب المواطن.
دعونا نتخيل أمرا، هل إذا وافقت الحكومة على رفع الرواتب هل ستنتهي معاناة المواطن؟! بالتأكيد الإجابة ستكون «لا» فأعين بعض التجار الجشعين على تلك الزيادة، وسيعملون على رفع الأسعار وبالتالي سيدخل المواطن والحكومة والتجار في حلقة مفرغة، تبدأ بغلاء يعقبه زيادة رواتب ورفع أسعار وتنتهي أيضا بالغلاء، ألم أقل لكم إنها دائرة مفرغة ولا بد من قطعها.
وكأن مشهد الأمس يعاد اليوم، فجشع التجار مازال مستمرا وما زال الغلاء موجودا، ومعهما تعيش معاناة المواطن وتظل استغاثاته متدفقة إلى ما لا نهاية، ولكن ونحن في العهد الجديد هل ستكون النهاية الختامية لهذا المشهد المؤلم الذي يتكرر كل يوم على أرض الواقع؟ أؤمن بأن ما جاء في خطاب النطق السامي لسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد يؤكد أن النهاية في هذه المرة ستكون مختلفة كل الاختلاف، وستعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وستنقذ المواطن من براثن جشع بعض التجار، وتحقق المعادلة التي يستطيع من خلالها المواطن الحصول على كل ما يحتاج إليه بسعر مناسب وستضمن للتاجر الحصول كذلك على الربح المعتدل، ولكن كيف سيحدث هذا؟
الإجابة عن السؤال المطروح سابقا تكمن في طريقة معالجة تلك الأزمة وتحقيق المعادلة من جانب حكومة سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيس الوزراء، وهل ستتم السيطرة فعليا على الأسواق ومنع التلاعب بالأسعار، وهل سيتم ذلك باتفاقات مع التجار أنفسهم، أم سيتم إجبارهم على خفض الأسعار، أم سيكون هناك حل بديل عن كل ما سبق، وهل سيكون هناك تعاون مثمر بين الحكومة وأعضاء مجلس الأمة، ومتى سيرى المواطن نتاج ذلك ويشيد بالأداء الحكومي في هذا الصدد بالأخص؟.
لدي قناعة كاملة وثقة لا تنتهي بعقلية رئيس الوزراء، فأنا أراه ذا رؤية وبصيرة نافذة، حكيما وحازما في التعامل مع الأزمات، ولذلك لدي قناعة بأن أزمة الغلاء ستودع الكويت، وسنودع زمنا كان بعض التجار فيه يمتصون دماء الشعب، ويصنعون سعادتهم مقابل تعاسة المواطن.
أدعو نفسي قبل أن أدعوكم جميعا إلى أن نتوقف قليلا عن التذمر فجميعنا نعاني ولن تفيدنا الشكوى بشيء، ويتوجب علينا أن نغير من أسلوب تعاملنا مع الأزمات، ولذلك لا بد من التفكير بإيجاد حلول للأزمة، فجميعنا مسؤولون ويقع على عاتقنا بناء هذا الوطن، وأن نكون بمنزلة اليد التي تعين على البناء لا اليد التي تهدم وتعيق عن التقدم.
[email protected]