نقف نحن الآن على أعتاب انطلاق سباق الأعمال الدرامية التي ستتنافس بشراسة خلال شهر رمضان المبارك، وسيسعى كل عمل منهم إلى التربع على قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة، وذلك لأسباب إنتاجية بحتة، بعدما صارت نسب المشاهدات هي الفيصل في تحديد العمل الدرامي الأكثر نجاحا، وحتى وإن كان العمل الفني خاليا من قيمة تذكر، أو يعالج دراميا قضية مجتمعية بأساليب غير متبوعة بمجتمعنا الكويتي المعروف عنه بتمسكه بالعديد من القيم الأخلاقية والعادات الموروثة.
وفي الأوساط الفنية نجد أن بعض الفنانين يخرجون علينا بتصريحات صحافية أو تلفزيونية عن قيمة العمل الذي يقدمونه، وأن الهدف الأول من الدراما هو الإشارة إلى المشكلات المجتمعية ومعالجتها فنيا وإرشاد المشاهد إلى مدى خطورة تلك المشكلة وكيفية التعامل معها، وبالنظرة العامة لتلك التصريحات نجد أنها تعد مفيدة مجتمعيا وفنيا، ولكن إذا حاولنا تطبيقها على الواقع سنجد أن القلة القليلة من الفنانين يعملون على تطبيق ذلك فعليا من خلال أعمالهم الدرامية ويعرفون أن النجاح الذي يحصدونه من أعمالهم يكمن في القيمة التي يضيفها للمجتمع ولرصيده الفني، بينما تكون معايير النجاح للبعض الآخر في حصد أعلى نسب المشاهدات حتى وإن كان العمل الفني الذي يقدمونه يخلو من أي قيم، بل إنه بالعكس يسعى إلى تشويه صورة المجتمع، ويجتهد في نشر المفاسد.
أقرب مثال إلى ذلك يأتي في البيان الذي أصدرته وزارة الإعلام حول أحد الأعمال الدرامية المذاع على إحدى المنصات ووصفته الوزارة بـ «قلة الأدب» ووجهت بتحويل جميع المشاركين به إلى النيابة العامة للتحقيق معهم، وأكد البيان أن هذا العمل الدرامي يتعمد تشويه صورة المرأة الكويتية.
من وجهة نظري أن تلك الأعمال تسعى إلى غرس فتن جديدة في مجتمعنا بادعاء المعالجة الدرامية، ويمكن ملاحظة ذلك من أن تلك الأعمال تخصص عددا كبيرا من حلقاتها لذكر تلك المشكلة، وتذكر وقائع أعمال السرقة والنصب بأدق التفاصيل وكأنها تقول للمشاهد «كيف تصبح لصا أو نصابا محترفا» بينما تخصص الحلقة الأخيرة لتقول للمشاهد إن الجريمة لا تفيد، أو أن تشير إلى عدد من المبادئ، وهنا لابد أن نتساءل جميعا كيف يمكن أن يحدث ذلك، والمشاهد طوال حلقات العمل الدرامي يتعلم بطريقة غير مباشرة المفاسد.
أؤمن بأهمية الفن، وتاريخنا الفني الكويتي يشهد بما قدمه عمالقة الفن الكويتيون أصحاب الصيت في شتى أنحاء العالم العربي، وكيف كنا نستمتع بأعمالهم ونستفيد منها، ونرى أنها تشبهنا وتشبه أخلاقياتنا وعاداتنا المحافظة، وكيف صنعوا لأنفسهم أرشيفا وتاريخا يفتخرون به، فهم يدركون حجم تأثير أعمالهم، ويعرفون تمام المعرفة أن ما يقدمونه من فن مرتبط باسم هذا الوطن الغالي فزرعوا احتراما فنيا فحصدوا تقديرا واحتراما منا، أما الآن في زمن السوشيال ميديا فانلقب الأمر رأسا على عقب تحول البعض من الفنانين إلى أداة لجمع المشاهدات والإعجاب، وباتت أعمالهم نقاطا سوداء في تاريخهم الفني وعلى هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا حساباتهم، فهم فئة مؤثرة في مجتمعنا، ولابد أن يكون تأثيرهم إيجابيا وليس أي شيء آخر.
وعلى صناع الأعمال الدرامية أن يدركوا أن ما يقدمونه لابد أن يسعى إلى نشر الأخلاق وليس العكس، وأن يعملوا على تكويت أدق تفاصيل أحداث أعمالهم، فلم نعرف في وطننا الغالي سوى الأخلاق والقيم، نشرها أجدادنا بيننا، وها نحن ننشرها بين أحفادنا، فلا تكونوا عقبة أمام جيل جديد ينبض بالخلق والعادات الحسنة.
Dstoory40gmail.com