بعد التدهور والانحدار المؤلم والشديد الذي حل على سوق المباركية التراثي، بسبب زيادة الإيجارات بنسبة 300% تقريبا على عدد كبير من محلاته، وكان ذلك في عام (2017)، وتعرضه لحريق كبير دمر أجزاء مهمة وتراثية لا تقدر بثمن في نهاية مارس الماضي (2022)، وقضي تماما على ما تبقى من مقوماته التاريخية وخسر كل كويتي القيمة الاقتصادية، المكانية، الأثرية، السياحية الشرائية النوعية لهذا السوق.
نستبشر اليوم خيرا بمؤشرات تلاشى الألم، وتجدد الأمل مع العهد الجديد بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد حفظه الله، وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، بارك الله بجهوده ومساعي حكومته، لاسترجاع أسواق المباركية قيمتها الجوهرية ومكانتها كما كانت قبل عام 2017، خاصة أن بشائر الخير هلت، ومؤشرات الاهتمام والرؤى بانت، وملامح استراتيجية العمل لمصلحة هذا الموقع التراثي العريق بالأفق لاحت، سواء من خلال التصريحات الرسمية أو بتشكيل لجنة تطوير أسواق المباركية لما تضم من أعضاء نتوسم خيرا بوطنيتهم وكفاءتهم وغيرتهم على وطنهم. وتوج مؤخرا خبر السعد بالموافقة على التبرع السخي والكريم من أحد عمالقة القطاع الخاص في البلاد لإعادة بناء ما دمره الحريق.
إن أسواق المباركية ليست لبيع البصل، الطماط، السمك وتمر هندي وغيرها، بل هي أيقونة الأسواق والمحال التجارية الكويتية التي تحكي قصة الآباء والأجداد، وسطرت قصصا وحكايات الهول واليامال على جدران وأزقة منتشرة هنا وهناك، وبقايا أعمدة صمدت بوجه حريق مارس الماضي، تستغيث الغيورين بقاءها والمحافظة عليها، بعد أن حملنا هذا السوق أمانة ثقيلة لتاريخه وكفاح أهلنا لننقلها للأجيال القادمة. لقد تسبب (رفع الإيجارات، وحادثة حريق مارس) بالتقليل من شأن ومكانة هذا السوق وتدهور مقوماته التي جعلته يوما يتربع على قمة الأسواق التاريخية الكويتية العريقة، وأجبرت أصحاب المحلات من ذوي العزم والبأس الشديد البقاء قسرا والاستمرار في مزاولة تجارتهم بعد أن استعاضوا (هنا الطامة الكبرى) رفع الإيجار عليهم برفع أسعار السلع كافة بشكل جنوني بما لا يتناسب وطبيعته التاريخية، الشعبية، التراثية والتقليدية، يدفع ثمنها المستهلك في المرات الأولى ويقتصر على (التمشي) والتجوال وتضييع الأوقات في المرات التالية!
لقد تعاظمت أهداف هذا السوق، وتنامى دوره بشكل خاص وحقق نجاحا منقطع النظير في إجبار كل من يزور الكويت للتوجه له، خاصة أشقاءنا الخليجيين الذين يقصدونه بصفة مستمرة مع نهاية عطلة كل أسبوع، بعد أن ذاع صيته عربيا وخليجيا، وتفرده بميزة خفض أسعار بضائعه وفرص التجول في أزقته ومحلاته التراثية وممراته القديمة واستنشاق عبق الماضي الذي يتنفسه ضيوف الكويت من الإخوة الخليجيين لتوافر قواسم مشتركة بيننا وبينهم، ليأتي ذلك التحول القسري ويفقد سوق المباركية العديد من مميزاته، ويتحول من سوق جاذب نافع إلى سوق طارد تلفه الكآبة للأسباب سالف ذكرها، مع بقايا محلات وأسواق تطمئننا على بقائه وصموده، فضلا عن افتتاح مشاريع حديثة تحاول عبثا إنعاش هذا السوق بقبلة الحياة من خلال أفكار تجارية تحاول الاستيطان، ذريعتهم دمج الماضي بالحاضر!.
في العهد الجديد يحدونا الأمل بعودة سوق المباركية كما كان وفق رؤية (Vision) منشودة تنظر للأمور بشكل سليم، والإبصار بالعين والقلب، من خلال الإبقاء على شكله القديم دون المساس به والنهوض بطابعه التاريخي العريق، ورسم سياسات تطويره، ليس للاستخدامات التجارية فقط، بل ليكون مركزا عالميا تراثيا تاريخيا ثقافيا اقتصاديا يتضمن أنشطة وبرامج تعزز مكانته التي كانت، لذا أنصح الرجوع إلى دراسات علمية حديثة في تطوير الأسواق التاريخية، لعلنا نجد ما يتوافق وفلسفة هذا السوق باعتباره ليس سوقا وكفى، وإنما موقعا بارزا اختط للكويت أبرز معالم خريطتها السياحية في زمن اللاسياحة!