هذه قصة حقيقية لأحد الفتيان عندما حظي يوما بمرافقة والده (توصيله لأصدقائه) وكان حينها في سن الخامسة عشرة، ترتيب هذا الابن الثالث من بين إخوته، ثلاثة منهم ذكور وأنثى واحدة، الأب في العقد الخامس من عمره ويكبر الأم بخمس سنوات، يمر هذا الولد بمرحلة المراهقة التي لم يحسن الوالدان التعامل مع متطلباتها، تعيش أسرته بمستوى اجتماعي مرموق.
تبوأ الأب منصبا مميزا في البلاد، ويتقاضى راتبا عاليا، وكذلك الأم، جميع الأبناء يدرسون في مدارس خاصة ويتمتعون بمستوى تعليمي متميز، تتصف أسرته بتماسك أفرادها وحسن علاقاتهم معا، التوافق النفسي على قدر من الاتزان المنشود الذي يسعى إليه كل رب أسرة، لم يسبق أن عصفت الخلافات بين أفرادها، وأن عكرت بعض المناوشات الأسرية صفاء أجوائها يطفئ ربانها لهيب نيرانها ويخمد جحيمها وكأن شيئا لم يكن، حكمة وحنكة الأب في إدارة شؤون بيته ساهمت ببسط الاستقرار الشكلي لأي أسره تشابهها الظروف.
ومع كل هذا التفرد، فشل الوالدان بتحقيق جوانب كثيرة في تربية أبنائهم، فعندما أصطحب الأب أبنه لأول مرة لتوصيله لمنزل أحد أصدقائه، صعق مما أفصح عنه الابن حول معاناته والمضايقات التي يتلقاها من زملائه في المدرسة، فقام بسرد العديد من المواقف التي تعرض لها، خاصة تلك المواقف التي لم يستطع التعامل معها وفشل في مواجهتها والتعامل مع أقرانه، وتبين للأب مدى ضعف شخصية ابنه وتدني ثقته بنفسه، فكان واضحا التردد، والخجل، والانسحاب، وضعف المواجهة، وكمية الإحباط الذي تلقاه، والأخطر من ذلك، شعوره بالنقص والدونية من قبل أصدقائه، وعدم الرضا عن ذاته، مما شكل ضعفا مخيفا بثقته بنفسه، الأمر الذي قد يؤثر تأثيرا بالغا في اكتمال مراحل نمو الرجولة.
كل هذا وأكثر شكل صدمة لدى الأب المسكين - متأخرا - يتحمل وأم العيال مسؤولية تدهور حال هذا الابن، لذا يستوجب عليه مواجهة مشاكل ابنه بشجاعة، والاعتراف بالخطأ المشترك الذي اقترفه مع أم هذا الولد، واصطحابه لاختصاصي اجتماعي متمكن قد ينجح في وضع خطة علاج تبدأ أولا على إعادة ثقته هذا الابن بنفسه، وتنفيذ متطلبات الدعم النفسي والعاطفي خاصة مهارة الانصات إليه وحل مشكلاته، مع وقوف الوالدان بجانبه وتفهم أحاسيسه وتصرفاته، والتفاعل والمشاركة في تنفيذ مهارات الحياة بمختلف أنماطها، ومراجعة الوالدين لأسلوب تربيتهما، خاصة إذا تلقى هذا الابن تدليلا مفرطا اعتقادا أن يكون بديلا يعوضه عن غياب الأب الطويل عن مشاركة أبنائه، وإخفاق الأم في تربيته وهذا ما كشف عنه الابن خلال زمن «توصيلة» قضاها مع والده.
٭ هذه قصة حقيقية من واقع حياتنا اليومية، وهناك الكثير.. لكن هل من متعظ؟ أتمنى.