نحمد الله سبحانه أن دولتنا الصغيرة جغرافيا تمتلك مجلسا أعلى للتخطيط منشأ منذ 1962، ووزارة أشغال وغيرها بمستشارين وخبرات وميزانيات فلكية، لكن ما نعيشه خلال العقود الأخيرة من كوارث جسيمة في التخطيط العام، وقصور فاضح في مشاريع البنى التحتية وإنشاء جسور بحارة واحدة ووضع علاجات عقيمة متكررة لإسفلت الشوارع والتخطيط السيئ للبنى التحتية يؤكد لنا وجود خلل وترهل وشيء غير مفهوم في الخطط المصونة والرؤى الميمونة لهذه الجهات المحترمة، إذن لنحمد الله مجددا ونقول: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ومع كل احترام وتقدير للإخوة في «التخطيط» و«الأشغال» وبعض الجهات الأخرى التي تحتاج إلى التخطيط السليم، وإلى رؤى شابة تعايش القرن الـ 21، قرن الحداثة والتنقل بين الكواكب والمجرات.
لست معنيا بتشخيص ما يجري، فالواقع كفيل بتشخيص هذه العقدة أو المتلازمة وفضح غياب الخطة بعيدة المدى، وعدم حساب الطاقة الاستيعابية للانفجار السكاني، واعتماد خلطات إسفلتية مضروبة وغير ذلك من صور تعاني منها البنى التحتية والمباني الحكومية والطرق والشوارع والأنفاق والجسور والمداخل والمخارج والتي تستنزف مقدرات الدولة.
بعض المتنفذين والمستفيدين من إرجاع بلادنا إلى العصور الحجرية، يحاربون أي صوت يدعو لإصلاح هذا الخلل بذريعة «الوطنية»، فإذا طرح موضوع استجلاب شركات عالمية كورية أو تركية أو غيرها أصبح هذا الفاسد وطنيا رافضا لاستجلاب ما يصلح بلادنا ويخلصها من معاناتها اليومية وتأخرها عن ركب الأمم المتقدمة.
إن الاستعانة بشركات عالمية لوضع خطط محكمة للبنى التحتية وتنفيذ الجسور والمباني والأنفاق وسفلتة الشوارع، لن تضر في وطنيتنا شيئا أيها الوطنيون، بل ستقلص استنزاف موارد الدولة، وتنهي دمار شوارعها، وأزمة مرافقها الحكومية، ومساكن مواطنيها، ومستشفياتها وجامعاتها، في سنوات قليلة بدلا من عشرات السنين، فهذه الدول تفوقنا في التقدم العلمي، أما بعض الشركات الكويتية الوطنية والوزارات المشرفة عليها فهي إما مصابة بالعرج والترهل والصدأ وانعدام روح التخطيط في مشاريعها، أو أن الفساد نخر فيها ماليا وإداريا.
اليوم لو نظرنا لمنطقة الضجيج والمدخل والجسر الجديدين المؤديين إلى إدارة الجنسية والجوازات والأدلة الجنائية نجد أن الزحام زاد عن السابق، والأمر نفسه في جنوب السرة التي تتكدس فيها الوزارات، وما تشهده من عمليات تعديل مستمرة أمر يثير العجب، وهنا نتساءل: ما الذي يجري في بلادنا؟ ومن المستفيد من هذا العبث؟ ومن المسؤول عنه؟ وكيف تمر السنون إثر السنين دون محاسبة أو عقاب أو تنحية وعزل؟
٭ كلمة أخيرة: ما نعيشه في الكويت هو أزمة تخطيط بامتياز لن تتواءم مع أي توجه للتنمية، المطلوب هو إصلاح هيكلة الجهات المعنية بالتخطيط، ومحاسبة المسؤولين عما نراه من عيوب كارثية وأخطاء فادحة بشكل يومي.
والأمل معقود على العهد الجديد، والكويت ليس ثمة ما يمنعها من أن تكون في مقدمة الدول، وما نحتاجه هو اختيار أشخاص غيورين على دولتهم، يتطلعون إلى نهضتها ويألمون من واقعها، مع مراقبتهم ومحاسبتهم وعزلهم إن لم يكونوا على مستوى الطموح، وفي نفس الوقت نحن اليوم بأشد الحاجة للاستعانة بخبرات دول تسبقنا بسنين ضوئية، إن لم نفعل ذلك فنحن نسير إلى الوراء وسنفاجأ بعد 20 عاما أننا في القرن التاسع عشر!