كان حلما، بل لم يكن على البال، كان الأغراب يلاحقوننا بمقولة «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، كنا نعتبرها تقليلا من قدرنا، وتصغيرا من شأننا، فانبرت لهم ثلة من قادة الشباب في مجلس التعاون، فخططوا وحددوا الهدف، فكان ذروة سنام جهدهم، هو ما أتحفتنا به قطر، فكفت ووفت، وبيضت الوجه، وقلبت كل الموازين، وأثبتت أن أصحاب الهمم العالية، والنفس الطويل لا يهابون المغامرة، يقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
فشكرا يا قطر، كان دورك هو الأصعب والأشمل والأبقى، والتاريخ يشهد.
بعد انتهاء مباراة السعودية والأرجنتين، بانتصار مستحق للصقور الخضر، فقدنا السيطرة على مشاعرنا، فلو كانت للفرحة مقياس لبلغ مؤشرها القمة، فرحة، ونشوة غالية الأثمان، انتزعت الدمع من المآقي، وفاض القلب بالوفاء، فتذكرنا من كانوا معنا ثم رحلوا، الذين كانت أهدافهم، بالنسبة لنا أحلاما، ونهجهم كسيناريو أفلام، فبدأوا بالغرس، والسقي، وتركوا لنا جني الثمار، إنهم كجذور شجرة، أغصانها في السماء، تتفرع وتعلو، ثم تثمر، ولولا الجذور لما عاشت وأثمرت، فأما الجذور التي تحت الثرى، فنحتسبهم عند الله في الفردوس الأعلى من الجنان، ففي قمة فرحتنا نستذكر ونترحم على من رحل من قادة الرياضة الأوائل واللاعبين بدول مجلس التعاون الخليجي، من المملكة العربية السعودية سمو الأمير فيصل بن فهد آل سعود، يرحمه الله، ومن الكويت الشهيد الشيخ فهد الأحمد الصباح، يرحمه الله، ومن مملكة البحرين الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، يرحمه الله.
وحاليا من دولة الإمارات أبناء الشيخ زايد، يرحمه الله، ومن دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حفظه الله، ومن سلطنة عمان العديد من رجال الرياضة، أبرزهم صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل السعيد المعظم (ترأس اتحاد كرة القدم 1983-1986)، هؤلاء هم من جعلوا للرياضة عامة، ولكرة القدم على وجه الخصوص، أهمية وركنا من أركان التنمية والتطور في بلدانهم، وجعلوا منها مصانع للأبطال، ففكرة كأس الخليج هي كسحاب المزن الذي انهمر بالخير على أرض الخليج، فاهتزت وربت وأنبتت من كل نوع، من منشآت رياضية، وكليات وخبراء رياضة وطب رياضي، وأصبح للرياضة مخصص في ميزانية دولهم، وأصبح التنافس بين دول الخليج دافعا وسببا في تطور الرياضة، وكان هذا هو الهدف المنشود، فانشغل شباب الخليج فيما ينفعهم فالعقل السليم في الجسم السليم.
وتتواصل مشاركات أبناء الخليج في كأس العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، فلا يخلو كأس العالم من دولة خليجية، وهذا دليل على استمرار اهتمامهم بما أرساه السابقون، وما القفزة الشجاعة والجبارة لمبادرة دولة قطر باستضافة كأس العالم إلا ثمرة تلك الشجرة المباركة بجذورها التي لولاها لما وصلنا الى هذا اليوم الذي نجني ثماره، إنه عمل مبارك، ساهمت به كل دول الخليج بنواياهم الطيبة والبسيطة، حتى توجتها دولة قطر بنجاح في أول استضافة لكأس العالم في منطقة الشرق الأوسط، هكذا يعمل قادة الخليج لشعوبهم، بخلق التنافس بين الشباب، ثم التنافس بين الحكومات، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
إن ما فعلته الرياضة بالتعريف بدولنا الخليجية لكل شعوب العالم عجزت ديبلوماسية السفارات عن فعله، حتى قيل «إذا أردت أن تعرف عن دولة ما اسأل عن مستوى الرياضة فيها».
[email protected]