ربما يكون من البديهي أن البشر، وإن رغبوا في معرفة الأحداث، فإنهم ينفرون من الاطلاع على أخبار مزعجة أو منفرة ذات علاقة بهم أو بالوسط القريب المحيط بهم، بل ربما مال بعضهم إلى كتمان هذه الأخبار السيئة، باعتبارها نقيصة لا يجوز أن يطلع عليها الآخرون، وإدمان الادعاء بأن الأوضاع على خير ما يكون.
تستفحل ظاهرة الكتمان في المجتمعات السلطوية والمنغلقة Authoritarian and closed societies التي يسود فيها الرأي الواحد والخوف من المصارحة، وخلافا لذلك، تعمد المجتمعات المنفتحة إلى إعلام الجمهور بالأخبار الصحيحة حتى لو كانت سيئة ومخيفة ومنفرة، وهي في ذلك تلبي حق الجمهور في المعرفة التي تعتبر بحد ذاتها نوعا من الأمان النفسي، ومن جهة أخرى تلبي الجانب الوقائي بتوفير التعليمات والإجراءات المفيدة التي يمكن للجمهور اتباعها لمواجهة عقبات تلك الأخبار.
ومن الأمثلة على ذلك، الرسائل الإخبارية التي توجهها جامعة برينستون Princeton University لأساتذتها وموظفيها وطلابها، عن طريق TigerAlert، وهو نظام إعلام للطوارئ يسمح لمسؤولي برينستون المعتمدين بإرسال الأخبار والتعليمات في وقت واحد للأفراد عبر الهواتف الأرضية والهواتف الخلوية والرسائل النصية والبريد الإلكتروني.
وبصراحة، ومنذ أن دخلت مجتمع الجامعة مؤخرا، وأنا أتلقى بعض التحذيرات التي لم أعتد عليها، يبدو من ظاهرها أنها مخيفة وغريبة، كتلك التي ذكرت أنه تم الإبلاغ عن شخص يتصرف بطريقة غير أخلاقية، مع ذكر مواصفاته وتعليمات التعامل مع هذه الحالات، وأخرى سجلت مشاهدتين للدببة قرب السكن التابع للجامعة، ومع التنويه إلى أن الدببة السوداء بطبيعتها تميل إلى توخي الحذر من الناس، وجهت الرسالة مجموعة من النصائح للتعامل مع هذا الخطر، كانت قد اعتمدتها إدارة حماية البيئة في نيوجيرسي The New Jersey Department of Environmental Protection، والتي تضمنت: عدم إطعام الدب أو الاقتراب منه، والمحافظة على الهدوء في حال صادف المرء دبا، مع تجنب الاتصال المباشر بالعين، والتراجع ببطء وعدم الركض، وإصدار أصوات عالية بالصراخ أو ضرب الأواني لإخافة الدب، مع سعي المرء لجعل نفسه يبدو كبيرا من خلال التلويح بذراعيه، أو التقارب مع شخص آخر مع رفع الذراعين فوق الرأس، وإذا لم يغادر الدب فعلى المرء الانتقال الى منطقة آمنة.
كم تم تزويد الجمهور بخط ساخن مجاني، يعمل على مدار 24 ساعة في إدارة الحماية البيئة، للتبليغ عن أي سلوك مزعج أو تلف قد تسببه الدببة، والتنويه بضرورة الإبلاغ عن أي سلوك أو نشاط مشبوه على الفور عن طريق الاتصال بإدارة السلامة العامة على رقم معين، وتوجيه المرء إلى البقاء متيقظا ومتابعا لما يحيط به.
وهكذا، فإن إدارة الجامعة والأجهزة المعنية فيها لم تعمد إلى دفن الرؤوس في الرمل، أو إنكار الحقيقة، أو النظر بسلبية إلى الشفافية في نشر المعلومات، بل اتجهت إلى المصارحة الكاملة للجمهور بما يستجد من وقائع مخيفة أو مرعبة مع تقديم نصائح وتوصيات، معتبرة ذلك جزءا من مهمتها في توفير السلامة له واستحقاقا للثقة التي منحها.
[email protected]