أتيحت لي الفرصة منذ عدة شهور للعمل في جامعة برنستون Princeton University والتي تعد واحدة من أعرق الجامعات على مستوى العالم، حيث وضعها تصنيف The Times Higher Education في المرتبة السادسة محليا والسابعة عالميا في عام 2022، كما وضعها تصنيف شنغهاي 2022 في المرتبة الخامسة محليا والسادسة عالميا!أحاول - حتى قبل الانضمام إليها، والآن أثناء السير في أروقتها والمشاركة في أنشطتها وحضور أكبر قدر ممكن من فعالياتها والعيش في رحابها- أن أقترب من حقيقة تميزها دون غيرها من جهات أكاديمية ارتبطت بأذهان الناس منذ عقود!سيتبع هذه المقالة الوصفية التمهيدية سلسلة مقالات توثق هذه التجربة، بما فيها من إيجابيات وسلبيات، بنظرة الباحث المحايد والنظرة المتزنة، في ظل نقاش مستمر حول هيمنة الجامعات الأميركية وتربعها على تصنيف الجامعات العالمي، وعسى الله أن ينفع بما سينشر إن شاء الله.برنستون جامعة خاصة بحثية متعددة الاختصاصات، - سأعود مستقبلا لمعنى بحثية - تقع بولاية نيوجيرسي، وتعتبر رابع أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الولايات المتحدة، تأسست في عام 1746 باسم كلية نيوجيرسي، ثم تم تغيير اسمها إلى جامعة برنستون في عام 1896.تضم الجامعة 1295 من أعضاء هيئة التدريس، وتعد نسبة أعضاء هيئة التدريس الى الطلاب قليلة، فلكل 5 طلاب أستاذ! ولكن ذلك لا يعني أن كل الدروس تسير على نمط واحد وبهذا العدد القليل، فلابد أن يعايش الطلاب أنماطا مختلفة من جلسات التعليم، ومنها النمط الجماهيري في المدرجات والقاعات الكبيرة التي تتيح للطلبة تجربة جديدة، كما قالت لنا طالبة أثناء جولة تعريفية بالجامعة.حصلت الجامعة على 1295 منحة لتمويل الأبحاث، وهناك 31 من أعضاء هيئة التدريس في برنستون سبق أن حازوا جائزة نوبل، ويبلغ عدد الطلاب الملتحقين بالجامعة حاليا 5296 يتوزعون مناصفة بين الجنسين، وهم ينتظمون في 500 من المنظمات الطلابية، من بين هؤلاء الطلبة يوجد 635 طالبا دوليا، و3065 مسجلون كخريجين، يكاد يكون كل طلاب جامعة برنستون يسكنون في الجامعة وما حولها، لاسيما طلاب المراحل الجامعية الأولى بنسبة 96% ولذا فإن الحياة الجامعية لا تقف مع نهاية المحاضرات، وإنما تمتد لنشاطات متنوعة في المساء، لاسيما الرياضة وحلواتها ويتاح لهم استغلال أوقاتهم في العديد من الجوانب، وهو ما سنعود للتحدث عن كيفيته في مقال تفصيلي آخر.أما خريجو الجامعة، فيقدر عدد الأحياء منهم بأكثر من 97 ألف خريج، يعيشون في 140 دولة، وينتظمون في 165 جمعية إقليمية للخريجين على امتداد أنحاء العالم، ومن بين خريجي برنستون حصل 24 على جوائز نوبل، وتقلد اثنان: جيمس ماديسون وودرو ويلسون منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، كما عمل 3 كقضاة في المحكمة الفيدرالية العليا بالولايات المتحدة.وتضم الجامعة 36 من الأقسام الأكاديمية، والتي تطرح 54 برنامجا متعدد الاختصاصات في مرحلة البكالوريوس، و18 برنامجا لدرجة الماجستير، بالإضافة إلى 42 قسما للدكتوراة تطرح برامجها الخاصة، و33 من برامج الدكتوراة متعددة التخصصات فضلا على عشرات البرامج والمراكز التي لها كيانها الخاص وخطتها وفريقها، ومنها مركز بوبست للسلام والعدالة The Mamdouha S. Bobst Center for Peace and Justice وبرنامج التطورات السياسية العربية Workshop on Arab Political Development.الرياضة من بين المجالات التي تنال اهتمام الجامعة، وهناك 38 من الفرق الجامعية بين الكليات، و37 ناديا لأنواع مختلفة من الرياضات، كما يمتد تاريخ لعبة القدم في برنستون إلى 152 عاما، وقد فاز رياضيو برنستون بـ 215 بطولة وطنية، كما شارك 130 منهم في الألعاب الأولمبية.ويمتد الحرم الجامعي لبرنستون على مساحة 600 فدان، تضم أكثر من 200 من الأبنية الجامعية، من بينها 9 مواقع مختلفة لمكتبة الجامعة، و7 كليات تضم مساكن داخلية للطلاب، وتقدر مساهمة الجامعة في اقتصاد المنطقة المحلية بأكثر من 2 مليار دولار سنويا!تنفذ الجامعة مشاريع بحثية نوعية في أنحاء العالم، مما قد لا تقدم عليه الكثير من المؤسسات البحثية والأكاديمية الأخرى، ومن أبرز هذه المشاريع استطلاع البارومتر العربي، منذ عام 2006، والذي نفذ في 15 دولة عربية، ويعتبر الأول والأكبر من نوعه لقياس آراء المواطنين في الدول العربية تجاه قضايا متنوعة، وقد تشرفت بالإشراف على تنفيذ دورتيه الخامسة 2018 والسابعة 2022 في الكويت والاطلاع على تفاصيل إدارة هذا المشروع النوعي وفريقه.في مقابل الجوانب المضيئة التي ذكرت هنا وستذكر لاحقا، ستكون هناك نقاط غير مضيئة سنذكرها أيضا لاحقا، حتى لا نكون متحيزين ومغرقين في النظرة الوردية فقط، في محاولة لإيضاح الصورة وكشف النقاب عن حقيقة تميز هذه المؤسسات الأكاديمية و«كيفية الاستفادة منه»!
[email protected]