رغم أن الكثيرين لا يرون في ركلات الترجيح في مباريات كرة القدم إلا كونها مجرد حظ، إلا أن الدراسات والإحصائيات تقول غير ذلك! وإن هناك توصيات ومعطيات تؤثر على سير النتائج، وبالتالي التنبؤ بالفريق الفائز بشكل عام، لذا بقيت أتوقع فوز البرازيل أمس حتى انتهت الأشواط الإضافية والوصول إلى قرعة من يسدد أولا ركلات الترجيح، فالدراسات والإحصائيات توحي باحتمالية فوز كرواتيا، رغم ضعف خبرتها أمام العملاق البرازيلي راقصي السامبا، وهو ما تم أمس الأول في مباراة الربع النهائي في كأس العالم في قطر 2022!
بعد تعادل الفريقين في المباراة، أجرى الحكم قرعة لتحديد الفريق صاحب التسديدة الأولى، واختارت كرواتيا أن تسدد أولا، ولذا صار احتمال فوزها أكثر وتذوقها للنصر أقرب، انطلاقا من تأثير ما أطلق عليه مع فارق التشبيه «تأثير الترتيب الأولي Primacy effect وأثره النفسي»، حيث إن احتمال تحقيق هدف بركلة الترجيح أكثر بكثير من عدم تحقيقها بنسبة بلغت نسبة 76%، ولذا فإن من يختار تسديد الركلة الأولى له فرصة أكثر بالفوز بكل الركلات وفق دراسات وإحصائيات منشورة، ومنها د. إجناسيو بالاسيو Ignacio Palacio-Huerta من كلية لندن للاقتصاد، حيث حلل 1343 ركلة جزاء من مباريات كأس العالم والبطولات الأوروبية السابقة، وخلص إلى أن الفرق التي تسدد ركلة الجزاء الأولى تفوز بنسبة 60.5% من ركلات الترجيح، مقارنة بنسبة 39.5% فازت بها الفرق التي سددت الركلة الثانية! وكما أشارت البيانات فإن نسبة احتمال تحقيق الهدف للفريق الذي سدد أولا 76.3% مقارنة بنسبة 69.7% لمن سدد ثانيا!
وفي تفسير الظاهرة، يتحدث الباحث عن تأثير الشعور «بالتخلف عن الركب» الفريق الثاني «lagging behind» وما يؤديه من إحباط نفسي لاشعوري لصاحبه وإشعاره بأنه خاسر! وهو ما انسجم مع نتيجة غالبية من قالوا باستطلاع آخر أجري على 240 لاعبا ومدربا إسبانيا أنهم يختارون الضربة الأولى انطلاقا من هذا السبب، فهي آلية نفسية تؤدي إلى الضغط على الخصم وضعف الأداء لديه!
هناك عوامل أخرى تمت دراستها كان لها تأثير، وأخرى لم يجد الباحثون لها ذاك التأثير، مثل صاحب الأرض التي تجري عليها ركلات الترجيح، كما توجد توصيات متنوعة ربما لا يتوقعها الملايين من الناس، الذين يشاهدون هذه المباريات، والتي تتضمن نصائح للاعبين وحراس المرمى ما قبل الضربة وأثناءها وما بعدها مثل: اختيار الضربة الأولى، انتظار لحظات عند سماع صافرة الحكم، تحديد موقع الركلة من المرمى وعدم التردد أو تغيير الرأي، الاحتفال عند تسجيل الهدف، ولحراس المرمى أيضا توصيات مثل البقاء في الوسط.
ما كتبت هنا إجابة مبسطة لمن يسألون دوما: «وما أهمية الدراسات والبيانات» فهو نموذج حيوي واقعي لكيفية استخدام الدراسات والسلاسل الزمنية والإحصائيات لاتخاذ القرارات data driven decision making والتنبؤ بالنتائج! ولذا سيكون من الغباء عدم الالتفات لهذه النتائج واختيار تسديد ركلة الترجيح ثانيا، إلا إذا ظهرت دراسات أخرى وبيانات تثبت متى لا تختار التسديدة الأولى!
[email protected]