منذ فجر التاريخ والبشرية تعيش بين متناقضين من الخير والشر، الحرب والسلام، التسامح والتباغض، الحضارات العظيمة على مر التاريخ قامت على قيم الخير والسلام والتسامح، وعلى النقيض فإن الحرب وما تخلفه من شر وتباغض تهدم أعتى الحضارات وتتحول حياة الناس إلى جحيم ويدفع المدنيون الأبرياء ثمنا غاليا من أمنهم وحياتهم.
لذلك جاءت الأديان السماوية برسالة واحدة هي عبادة الله الخالق سبحانه وتعالى لتذكر الناس أنهم أمة واحدة وجنس واحد، جاءت الأديان برسالة جوهرها الحب والتسامح والمساواة والتعاون ونبذ الأحقاد وشرور النفس البشرية، ونرى بوضوح ما تفعله الحروب والعدوان على المدنيين الآمنين من تشريد وتجويع وفقر ومرض وأزمات اقتصادية طاحنة تجعل العالم على شفا حفرة من الكوارث، والحرب الروسية -الأوكرانية ليست منا ببعيد وما نراه من نتائجها خير دليل.
ولذلك، فإننا عندما نحتفل بأعيادنا ونشارك الآخرين أعيادهم ونهنئ بعضنا البعض فإن المقصد هو إحياء روح المحبة والتسامح وإعلاء كلمة السلام فوق الحرب والشر، عندما نحتفل بالأعياد والمناسبات فنحن نفعل قيم التسامح التي أمرنا بها الشرع الشريف حتى تنعم البشرية بالأمن والسلام.
في هذه الأيام المباركة أيام شهر رمضان المعظم الذي يحتفل المسلمون بأيامه ولياليه بالصيام والقيام والزكاة والصدقات يتصادف أيضا احتفال الإخوة المسيحيين واليهود بعيد القيامة المجيد وعيد الفصح اللذين يوافقان الـ 16 والـ 17 من شهر أبريل الجاري، وهي فرصة عظيمة لأتباع الأديان الثلاثة لإعلاء قيم المحبة والتسامح فيما بينهم، وذلك بتبادل التهنئة والأمنيات الطيبة، هي مصادفة طيبة لنتذكر قول الله عز وجل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (13) الحجرات، هذه الآية القرآنية العظيمة هي حجة قوية ودليل دامغ على أن الشرع الشريف يحثنا على التعارف والتسامح مع الناس جميعا وليس لأبناء ملتنا فقط، النداء الرباني للناس جميعا وليس للمسلمين فقط، وأفضل ما نتقرب به إلى الله في هذا الشهر الفضيل هو التسامح والتقارب والتواصل مع الناس جميعا دون النظر إلى عقائدهم وأجناسهم وألوانهم، نحن نعيش في عالم متقلب يموج بالفتن والأطماع والفساد، ولن يصلح ذلك إلا بنبذ الفرقة والتشاحن وتزكية الروح بالقيم الأخلاقية الرفيعة.
احتفال أصحاب الديانات الثلاث المسلمين والمسيحيين واليهود بمناسباتهم الدينية في هذا التوقيت رسالة إلى العالم أجمع أن الحياة لن تستقيم إلا بالسلام والأخوة في الإنسانية، وكل إنسان يعتقد ما يشاء، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، والسلام هو السبيل الوحيد لاستمرار الحياة على هذا الكوكب، وما دون ذلك عبث يحرق الجميع بلا استثناء، وإن أفلت دعاة الحرب والتعصب من قوانين الأرض فلن يفلتوا من عدالة السماء.
كل عام والبشرية جمعاء في خير وحب وسلام، ونسأل الله العفو والعافية والأمن والسلام للجميع.