تتبرعم الأفكار في سن الطفولة، بحسب البذرة التي وضعت في محصلته الفكرية، ثم تزهر وتقطف الثمرة في سن البلوغ...
حينما يراودنا التفكير في موضوع ما، وأردنا الإحاطة بجوانبه وفهم كل ما يدور في دواخله، فإن ذلك يتعذر علينا أحيانا، وتتجمد وتتحجر أفكارنا إزاء هذا الموضوع، مما يدعونا إلى ان نستجدي بالمتخصصين في هذه المسألة..
وعطفا على سؤال المقال، نستطيع القول، إن مكمن المشكلة تكون في بدايات الإنسان الحياتية وطرق تعليمه، لأن ما يتلقاه الطفل من معارف يبقى راسخا ومن الصعب إزالته.
ومن القصص في هذا الجانب، ما ذكره شيخنا أبو الحسن الندوي: حيث يقول «لم انتفع بشيء في حياتي، مثلما انتفعت بقصص جدتي، التي كانت ترويها لي عن سيرة الرسول ﷺ، حين كنت بين السابعة والعاشرة من عمري»!
لذا، من الأهمية بمكان أن نحيط أطفالنا بالمبادئ والقيم الأساسية، كالصدق والأمانة، والنزاهة واحترام الآخرين، فإن تربى على تلكم القيم تربية صحيحة حتما سيستمر عليها، ومن هنا قال الشاعر أبوالعلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوّده أبوه!
وللتوضيح أكثر أقول، حينما ينشأ الطفل على تعلم لغة غير لغته الأصلية فإنها تصبح جزءا من شخصيته، وطريقة نطقه، وتركيبته العصبية والنفسية.. يتحدثها بطلاقة وسلاسة دون تفكير (أين الفعل والضمير وأي تصريف يختار)، تخرج منه بطريقة عفوية توازي في تلقائيتها لغته الأصلية...
أما الشخص البالغ (الذي كان طفلا في الأصل) فيصعب عليه تعلم أي لغة تالية بسبب سطوة لغته السابقة.. وهذا ما أسميته بـ «تجمد لغوي» يثبت مخارج الحروف لديه ويجعل لهجته الأصلية تظهر في لغته الأجنبية.. خذ مثالا، هنري كيسنجر الذي أصبح وزيرا لخارجية أميركا دون أن ينجح في تخطي لهجته الألمانية، وأرنولد شوارزنيغر الذي تحول إلى نجم سينمائي وحاكم لولاية كاليفورنيا، ومع هذا لم يفلح في تخطي لهجته النمساوية.
إذن اللغات مثل الأفكار يصعب تبنيها بالكامل ما لم يتم تعلمها وممارستها من سن الطفولة.
ومجمل القول:
إذا ما اردنا للأفكار أن تنساب كانسياب الماء العذب في مجراه، فإنه يتوجب علينا الاهتمام بالقاعدة الفكرية للنشء، لأن اللمسات واللبنات الأولى هي التي تؤثر في مسار أي عمل، أو علاقة أو تربية، ولذا يقول احد الفلاسفة: «إن العقل يحتله الأسبق وليس الأصوب».
Twitter: @A_F9966