انصرم الشهر الكريم بما يحمل من خيرات وفضائل ومنح لم يحملها شهر قط من الاثني عشر شهرا. فيكفي انه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
فهنيئا لمن استفاد من أيامه ولياليه بطاعة الله آملا أن يكون ذلك غفرانا له في يوم العرض. أما من تكاسل في اقتناء خيراته فنطلب من الله أن يغفر له تقصيره وأن يهديه سواء السبيل لرمضانات قادمة، إذ أن لذة هذا الشهر لا يشعر بها إلا من تعامل وتفاعل معها، فطوبى لهم.
أترى ونحن أمة خير الخلق عليه وعلى آله السلام، لو اطعنا الله ورسوله خير طاعته وعبدناه كما ينبغي لوجهه الكريم، ونحن تحت ايدينا وتصرفنا الموارد والمواقع والعقول والفقه الإسلامي، فهل سيحل بنا ما حل بنا الآن بأن نصبح سخرية لأحفاد القردة؟ فلو اتقينا الله حق تقاته لم تغد نساؤنا الطاهرات بضاعة في سوق النخاسة ويولي أهلنا مهاجرين الى مختلف الدول.
وهنالك رهط من ابنائنا وبناتنا واخواتنا وإخواننا إما أنهم لم يصوموا هذا الشهر أوصاموا ولم يتذوقوا لذة عبادة هذا الشهر،وقد لا يفرحون بقدوم عيد الفطر. وإني لأخشى أن يقع عليهم عذاب وسخط المنتقم ويكونوا في زمرة من وصفهم أمير الشعراء احمد شوقي، رحمه الله، بقوله:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
بالأمس قد كنا سجيني طاعة
واليوم مَنَّ العيد بالإطلاق
ولهذا أقول بقلب مخلص ووجدان وفيّ أنصحكم كأخ لكم في الدين ان تستغفروا الله على ما فاتكم، وأن تقضوا دينكم قبل أن يحل رمضان المقبل وأنصح أولئك الذين قصروا في عبادته بالتزود بطاعة الله وتدبر القرآن وطمأنينة القيام والتراويح والتهجد، والتفكر من خلالها في آلاء الله والإقبال عليه.
فعليهم أن ينووا بنية صادقة صوم القادم من رمضان مع احياء السنن والفرائض والتزود بنهج القرآن، فنصيحتي تكون بالبدء من شوال التدريب على صوم يوم أو يومين في الأسبوع ويفضل الاثنين الخميس، وان يكون لهم ورد يومي بقراءة على الأقل جزء من القرآن ليكملوا بذلك كل شهر ختمة وينتقلوا الى ختمة أخرى.
وبذلك يبدأون بالتمرن على نفحات وشذى هذا الشهر الكريم الذي كان فيه سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم يشد مئزره ويعتزل النساء في العشر الأواخر، ويتوجه لله بقلب صاف وهو عليه الصلاة والسلام الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف نحن وحياتنا مليئة بالآثام.
هذه نصيحة من قلب مسلم تلذذ لسنوات عدة بنفحات رمضان، وحتى عند اعدادي لرسالة الدكتوراه اتفقت مع مشرف الرسالة ان يكون شهر اجازتي في رمضان لأعود وأتلذذ مع الأهل والأصدقاء بكرامات ومكرمات هذا الشهر.
«إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء». والله المستعان.
[email protected]