أحمد صابر
تعد مهنة الإطفاء من الأعمال الإنسانية السامية، وتأتي في صدارة المهام المتعلقة بالحفاظ على الأرواح والممتلكات وضمان الأمن المجتمعي، وتحظى بتقدير واحترام كبيرين من مختلف الأوساط بكل دول العالم، الأمر ذاته ينطبق على الكويت، إلا ان الحالة الكويتية قد تتفرد بعض المميزات وأهمها «الفزعة» الشعبية وحب الأعمال الخيرية ومساعدة الغير في شتى الظروف، وخاصة عند اندلاع الحرائق ووقوع الكوارث والمحن. تاريخ «المهمة النبيلة» وتطوراتها في الكويت مليء بالأحداث المثيرة في كثير من الأحيان، فقد كانت هناك محاولات سابقة لتسليط الضوء على المشهد الإطفائي ولكنها قليلة، إلا ان المقدم إطفاء د.خالد خضير دحل، وبرؤية الممارس وعين الراصد، استطاع ان يضع بين ايدينا وعبر كتابه «الإطفاء في الكويت بين الماضي والحاضر» مرجعا علميا رصينا، سرد فيه بدايات حركة الإطفاء وكيفية ظهورها محليا، معتمدا في ذلك على اللقاءات الشخصية مع عدد من رجال الجيل الذهبي الذين مارسوا تلك الأعمال الفدائية، مستخدما الصور النادرة التي توثق تطور المرفق الهام. ينقسم الكتاب الذي يقع في 300 صفحة من القطع الكبير والصادر عن مركز طروس للنشر إلى 8 فصول، حيث تمكن المؤلف من التقاط صور قلمية للمشاهدات والإنجازات المتحققة بأسلوب منهجي أكاديمي، مما يؤهل الإصدار ليكون مرجعا علميا للباحثين، ويسد جزءا من الفجوة المعرفية بين التوثيق التاريخي والواقع العملي، ويثري المكتبة العربية في هذا الجانب.
رحلة عبر العصور
«نشأة الإطفاء»، هكذا عنوان المقدم إطفاء د.خالد دحل الفصل الأول ليأخذ القارئ في رحلة عبر العصور ويروي جزءا من تاريخ الإطفاء حول العالم، بدءا من العصور القديمة والوسطى وأساليب جمع المياه لإخماد الحرائق باستخدام «الدلاء» وقرب الجلد والجهود الأهلية التي كانت السمة البارزة لتلك المهنة، لافتا الى ان أول وحدة إطفاء مأجورة أنشئت في الولايات المتحدة عام 1697 وكانت تعمل بمضخة مياه واحدة ثم أضيف إليها 5 أخريات، وفي ألمانيا استعملت مضخة يجرها زوجان من الخيل وتحتاج إلى 28 شخصا لتشغيلها.
من الدائرة العالمية إلى الشرق أوسطية يتناول الكاتب أيضا تاريخ الإطفاء في المنطقة، مشيرا إلى ان أول سيارة إطفاء استخدمت في مصر قبل أكثر من 248 عاما وهي بريطانية الصنع تعمل بطريقة يدوية، كما شهدت عمليات مكافحة الحرائق في البلاد العربية تقدما ملحوظا بعد الحرب العالمية الأولى، فتأسست في بلاد الشام أول مصلحة إطفاء عام 1923 بمساعدة مجموعة من المتطوعين، ثم زودت بعدد من السيارات المجهزة.
النشأة والتأسيس
محليا، يستطرد المؤلف في تناول نشأة ومراحل الإطفاء بالكويت، مبينا ان فكرة تكوين فرقة الإطفاء في البلاد تعود إلى ما قبل 1946 عندما نشأت البلدية، وكان الماء ينقل في صهاريج تجرها الخيول والحمير وكان من أوائل الذين امتهنوها: فهد الخشتي ومحمد العجيل، وبعد اكتشاف النفط بدأ المرفق يتطور مع ظهور النهضة العمرانية والصناعية، وتم استخدام أول سيارة من نوع دوج موديل 1940 لرش الماء بالطرق، ويعد العام 1948 مرحلة مفصلية للمهنة، حيث بدأ فيه إعداد رجال الإطفاء جيدا بمقر شركة نفط الكويت بمنطقة الأحمدي لمدة شهرين كاملين، ويلفت الكاتب إلى دور مدير الإطفاء الأول علي عبدالرزاق الصالح الشهير بـ «علي حريجة» وفضله في ترسيخ أسس وثوابت مكافحة الحرائق، وإيفاد الطلبة وتأهيلهم كضباط لسد حاجة المراكز.
وفي نهاية الفصل الأول، يسلط الكاتب الضوء على مراكز الإطفاء وكيفية عملها، وتأسيس مركز إطفاء المدينة وهو الأول في خارطة المركز، ثم يتناول بالتسلسل الزمني تاريخ نشأة المراكز الـ53 منذ عام 1949 حتى العام الحالي.
الإطفاء البحري
من التأسيس إلى النهضة واستحداث الفروع والآليات، ومن اليابسة إلى البحر، تمخر سفينة الكاتب عباب الماضي لترصد لنا تفاصيل تأسيس أول فرقة بحرية لمكافحة الحرائق البحرية التي كانت تندلع في السفن والقوارب الخشبية التي طالما اعتمد عليها الكويتيون في الصيد وجلب البضائع، ثم يوضح استخدام زوارق الإطفاء البحري وأولها «مسلم» الخشبي، مع تقديم نبذة عن الحوادث والحرائق البحرية التي تعامل معها الإطفائيون بكل بسالة.
وفي الفصلين الثالث والرابع يرصد الكاتب تاريخ وتأسيس قطاع الوقاية من الحرائق في البلاد والقرارات المنظمة للوائح الإطفاء في البلاد، مؤكدا ان اول دورة لضباط الإطفاء الجامعيين عقدت عام 1987 بجهود المدير السابق اللواء متقاعد خالد الياسين (رحمه الله) إيمانا بضرورة تكويت القطاع ودعمه بالعلم والمعرفة لتحقيق الأهداف المرجوة.
ومن عام 1990، حيث الكارثة الكبرى والمعاناة العظمي «الاحتلال العراقي» ينجح المؤلف في تسليط الضوء على دور رجال الإطفاء الذي كان واضحا للجميع في التعامل مع تداعيات تلك الأزمة، وخاصة مكافحة الحرائق وتوصيل المساعدات والتموين للأهالي وتقديم المساعدات وعلاج شباب المقاومة، بالإضافة إلى خسائر الإدارة من المعدات المختلفة جراء عمليات النهب والتدمير من قبل المحتل.
سير مضيئة
حرص المقدم إطفاء د.خالد خضير دحل على تخصيص الفصل الأخير من كتابه المميز بتقديم لمحة عن السير الذاتية المضيئة لقيادات الإطفاء، تحكي جانبا من مسيرة كبار رجال الاطفاء المهنية وتفانيهم في العمل والعطاء من أجل الكويت، وفي مقدمتهم، علي عبدالرزاق الصالح والذي تولى مهام إدارة الإطفاء من عام 1955 حتى 1977، ويرجع إليه الفضل في تأسيس الإدارة العامة بالكويت عام 1952.
ويقول الكاتب انه كان حريصا على التعليم والتدريب وفق أحدث المعدات والأساليب التكنولوجية المتطورة وحصل على العديد من الدورات فيما يخص مجال مكافحة وإنذار والسلامة من الحريق من العديد من الدول.
وجاءت ثاني السير المشرقة للراحل حمد عبدالعزيز البدر، الذي تولى مهام الإدارة خلال الفترة من 1978 حتى 1988، وتدرج في العديد من المناصب منها عضوية لجنة وضع نظام الرتب للعاملين في الاطفاء، واللجنة العليا للتوعية عام 1977، وعضوا في لجنة الاشراف على مشروع الضمان المالي التعاوني للعاملين في الاطفاء.
وثالث رجالات الاطفاء الكبار أحمد حسين العبد الرزاق، الذي تولى الادارة من 1986 حتى 1994 حيث تولى منصب ضابط اطفاء في مركز الشويخ عام 1970 ومساعد المدير العام للشؤون الفنية لعام 1977 ثم مديرا عاما.
ثم اللواء خالد محمد الياسين «رحمه الله» والذي تولى مهامه من 1995 حتى 2003، وهو حاصل على العديد من الاوسمة منها وسام رئيس السنغال من الدرجة الاولى ووسام الاطفاء من وزارة الدفاع بدرجة فارس عام 1995 ووسام بدرجة فارس من الديوان الرئاسي السنغالي عام 2005، وعضوية مجلس ادارة شركة الخدمات النفطي من 2004 الى 2008.
أما اللواء جاسم المنصوري فتولى الادارة من عام 2003 حتى 2012 وحصل على العديد من الشهادات والدورات التدريبية الخارجية والداخلية، وعضوية العديد من اللجان والمنظمات ومنها الجمعية الوطنية للحماية من الحريق بالولايات المتحدة الاميركية، ورئاسة فريق تسرب الغاز في الاحمدي عام 2010، وعضوية لجنة التحقيق في حادث حريق مطار الكويت عام 2002 وغيرها.
ومن رجالات الاطفاء المخلصين الفريق يوسف الانصاري الذي تولى الادارة لمدة 4 سنوات من 2012 الى 2016، والذي عين نائبا لرئيس إطفاء منطقة المطارات عام 1983، ورئيسا للاطفاء عام 1986 ومديرا للتطوير والتدريب عام 1991، وكلف بأعمال مستشار المدير العام لشؤون التخطيط عام 2003.
وكان الختام مسكا مع الفريق خالد راكان المكراد، الذي تقلد مهام منصبه من 2016 حتى الآن، وهو حاصل على دبلوم بحرية من المملكة المتحدة عام 1982، ثم عين ضابطا سابقا في القوة البحرية بالجيش، وتدرج في المناصب المختلفة واجتاز العديد من الدورات ونال عضوية الكثير من المنظمات الدولية.