أحمد صابر
«محطات مر بها الوطن وتفاعل معها الفكر والقلم، بعضها مفرح وبعضها مشجع، وكثير منها محبط، ولكنها في مجموعها شكلت درب الحياة الطويل لوطن توّاق للحياة، ولمجتمع يملأه الحماس وإن كثرت تحدياته، وتعددت عثراته، وقد واكبت أقلامنا أحداثه ومسيرته التي اختلطت مع آمالنا وأمانينا ونصائحنا»، بتلك العبارات الموجزة والمعبرة، استهلت الوزيرة السابقة ورئيسة المجلس التأسيسي لجامعة عبدالله السالم أ.د.موضي الحمود، كتابها المميز «قضايا ورأي»، الذي يضم نتاج أفكارها وخلاصة تجاربها في معترك الحياة والتي عبّرت عنها في مقالاتها المنشورة بالصحف خلال الفترة من عام 2009 وحتى 2020، حيث يعد الإصدار دليلا لإدارة تحدي العقبات والسير على درب النجاح، وإضافة مهمة للمكتبة الكويتية والعربية.
ويعكس الكتاب الذي يتكون من جزأين ويتجاوز الألف صفحة تقريبا، نتاج سنوات طويلة قضتها أ.د.موضي الحمود في العمل العام والخاص والسياسي والأكاديمي في الداخل والخارج، مختصرة تلك الرحلة الثرية في «ان التمسك بالمبادئ أساس النجاح وكسب محبة واحترام الآخرين»، مهدية هذا العمل القيم لكل المخلصين «فذاكرة الوطن لا تأبه بمن له رصيد من مال ولا بمن له حظوة من جاه زائل، ولكنها تخلد مَن عمل فاجتهد ومن اؤتمن فأخلص».
أعياد وآلام
«أعياد الوطن وآلامه»، تحت هذا العنوان، وبرؤية الأكاديمي وحس المسؤول المخلص وروح الناشط السياسي والاجتماعي، وبنظرة ثاقبة لما وراء الأحداث، عايشت المؤلفة في الفصل الأول، أفراح الوطن وأتراحه، وأسعد اللحظات وأصعبها على أبنائه، والتي كان أشدها بلا شك رحيل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد «طيب الله ثراه»، حيث نعت «قائد العمل الإنساني» الذي رحل عن عالمنا في العام 2020، قائلة: «كلنا راحلون عن هذه الدنيا الفانية، يرحل الجسد وتبقى الذكرى.. إن كانت هزيلة يطويها الزمن في لحظات، وإن كانت عطرة يحفرها التاريخ في صفحاته الخالدة»، مستعرضة بعض المواقف الشخصية لها مع سموه ودعمه الدائم للمرأة في مختلف القضايا.
و«حتى لا تكون بداية المسيرة مخالفات»، وبكلمات ناصح أمين محب للوطن، ناشدت الحمود في أحد المقالات أعضاء مجلس الأمة الفائزين في الانتخابات الأخيرة، بضرورة المسارعة في الإصلاح والاهتمام بمطالب المواطنين ووضع القطار النيابي على الطريق الصحيح، متناولة في هذا الصدد نموذجا مشرفا يتمثل في إرسال أول تجربة علمية كويتية لمحطة الفضاء «ناسا» والتي صممها 4 طلبة كويتيين من المركز العلمي، معتبرة أن ذلك أولى قطرات الغيث الذي يضع الكويت على خريطة الفضاء العالمية، ويستحق الدعم من مختلف الجهات.
«كورونيات»
الجائحة العظمى والكارثة الكبرى، أكبر تهديد للبشرية في العصر الحديث، فيروس كورونا الذي نجحت المؤلفة في تسليط الضوء عليه من مختلف الجوانب، فخصصت فصلا كاملا للحديث عن الوباء بعنوان «كورونيات 2020»، مؤكدة انها كشفت مشاكلنا وسلبياتنا، فـ«رب ضارة نافعة»، متطرقة إلى القرارات التي تم اتخاذها لكبح جماح الأزمة وخاصة المتعلقة بالشأن التعليمي وتعطيل الدراسة وتأثير ذلك على المستوى الدراسي للطلبة، مؤكدة انها «أزمة ستلد أزمات في المستقبل».
أيضا كان للشأن البرلماني حضوره الواضح في الإصدار، وجاء فصل «متابعات برلمانية» مليئا بالأحداث التي وقعت بالكويت، خلال الـ11 عاما الأخيرة، وشكلت مراحل مهمة في ذاكرة الوطن، فكثيرا ما دقت الحمود ناقوس الخطر حول الظواهر السلبية في الممارسة الديموقراطية، وتمثل ذلك بصورة أشد وضوحا في مقالها «احذر لا يبوقون صوتك!»، مشددة على أن المسؤولية الأساسية في هذا الجانب تقع على عاتق الناخب، وكلمته هي الفاصل بين الحق والباطل والزيف والحقيقة، فـ«الفساد الأعظم ليس بالتعدي على الأموال العامة فقط، وإنما سرقة مستقبل الوطن».
مع المرأة
«مع المرأة»، نصف المجتمع، كان مسك ختام الجزء الأول من «قضايا ورأي»، حيث سعت المؤلفة إلى تقديم صورة قلمية للمشهد النسائي في الكويت، واختزلت آمال وآلام وطموحات «شقائق الرجال»، في 19 مقالا، موضحة انه حان وقت زيادة التمثيل النيابي للمرأة ووضع ثقتنا بمن يقدم مصالح الوطن وأبنائه دون تمييز، متمنية ان نسمع مقولة «أخ النساء» كوصف للرجل الكفء المخلص في عمله، في دلالة على وجود الكثير من الكويتيات اللاتي يتمتعن بالصفات القيادية ويصلحن لتولي أي منصب.
وقفات حكومية
جاء الجزء الثاني من «قضايا ورأي» أكثر تشويقا من الأول، وكانت بدايته «وقفات مع الحكومة»، سبرت فيه الحمود أغوار مختلف القضايا وأكثرها ملامسة لهموم وأمال الشعب، لترصد عبر حسابات الربح والخسارة الإنجازات والإخفاقات في التعامل مع معظم الملفات خلال العقد الأخير، ومنها قضايا محاربة الفساد، وأوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وعجز الموازنة وترشيد الإنفاق، والعمالة الهامشية، والشهادات الجامعية المزورة وآثارها السلبية المختلفة، وملف الجنسية، مطالبة بمحاسبة المقصرين والمتخاذلين في أداء أعمالهم، فـ«ذاكرة المجتمع تسامح، ولكنها قطعا لا تنسى ولا تتهاون».
نحن والعالم
من الدائرة المحلية إلى العالمية، وكيف يرانا العالم وما هي نظرتنا إليه؟، أقلعت طائرة المؤلفة من الكويت، لتحط رحالها في العديد من العواصم، مقارنة الأوضاع في البلاد بنظيراتها الدولية، بالإضافة إلى الإضاءة على الصورة المشرقة للعمل الإنساني والخيري الكويتي وأيادي البلاد البيضاء في شتى القارات، موضحة ان «للخير هناك رسلاً»، تبلسم جراح المنكوبين وتداوي آلامهم، مشيرة إلى دور «حمامة السلام» الكويتية في رأب الصدع بين الأشقاء والأصدقاء.
وبين «داحس الأميركية» و«الغبراء الصينية» ترى ان حروب العالم المتقدم تعني تطورا علميا أما حروبنا فتدمر ولا تعمر، ونحن لا نستوعب دروب التاريخ كما يجب، لافتة إلى العديد من العروش التي سادت ثم بادت، مشددة على ان الإدارة والإخلاص وإعمال القوانين حصن دول العالم من التخلف وسبب لوضعها على طريق التقدم.
أمل المستقبل
«فتوة» المجتمع الكويتي وروحه الشابة، استحوذت أيضا على اهتمام الكاتبة، فخصصت جزءا من إصدارها للحديث عن ذاك الوهج الشبابي في البلاد «أمل المستقبل» و«ثروة الوطن»، قائلة: «دعوهم يبدعون ودعونا نساعدهم كل في موقعه»، لافتة الى ان معظم مشاريع الشباب في الكويت لا تجد ما تستحقه من الرعاية المتكاملة، مشيرة الى «بقعة جميلة من الوطن في ربوع واشنطن» قاصدة بذلك الطلبة الكويتيين الدارسين في الولايات المتحدة، وأنشطتهم المتعددة وخاصة المؤتمر السنوي الذي يشهد زخما كبيرا ويتحول إلى كرنفال مبهج.
«حب مصر».. ودورها العروبي
مصر ودورها العروبي، ووقوفها مع الأشقاء في مختلف الظروف، كبوتها ونهضتها، حزنها وفرحها، دائما في دائرة اهتمام وعقل ووجدان أهل الكويت، وخير مثال على ذلك ما أوردته أ.د.موضي الحمود في مقالها «مصر التي في خاطري» حول الأوضاع في «أرض الكنانة» عقب ثورة 30 يونيو 2013، وكيف استطاع المصريون رفع الغشاوة عن أعين العالم أجمع، وإنهاء حكم جماعة الإخوان، مشيرة الى ان العرب جميعا اشتركوا في الدعاء للمصريين في ليلتهم المشهودة، موجهة تحية إعزاز وإكبار للنساء المصريات المناضلات ودورهن البطولي في معظم الأحداث الجسام التي مرت على الوطن، داعية الله ان يحفظ مصر، وتظل منارة علم وإشعاع وثقافة وحضارة على الدوام.
شهادات عزيزة
اختتمت د.الحمود «قضايا ورأي» في جزئيه، بمقولات وكلمات تفخر وتعتز بها في مختلف محطات حياتها من شخصيات محلية وخليجية، قيلت في شخصها وعملها بشتى المواقع التي تركت بصمتها بها، ومنها شهادة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، ووزير التربية والتعليم العالي الأسبق أ.د.يوسف الإبراهيم، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق الشيخ د.محمد الصباح، ورئيس غرفة التجارة والصناعة محمد الصقر، والشيخة انتصار سالم العلي وغيرهم، ممن أشادوا بدور الحمود وتأثيرها الكبير في المجالات الحياتية.