تتجدد دروس الهجرة النبوية أمام مخيلتنا نحن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فكلما ودعنا عاما هجريا جديدا واستقبلنا عاما هجريا آخر نقف إجلالا وإكبارا أمام أحداث الهجرة النبوية الشريفة والخالدة إلى المدينة المنورة. ومما لا شك فيه أن هذه الهجرة لم تكن مجرد تحرك من مكان لآخر أو تفكيرا عابرا يقوم به نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنها بحق رحلة إيمانية ونقلة استراتيجية مهمة للإسلام حرص عليها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لحماية الدين الإسلامي بعد أن اشتدت عليه الضغوط في مكة المكرمة.
ومن الحقائق أنه بعد الفتح العظيم لم تكن هناك هجرة تذكر، وقالها نبي الأمة إنه لا هجرة بعد الفتح، ولكن بعد مرور ما يقارب 15 قرنا من الزمان نتأكد نحن المسلمين أننا بحاجة إلى هجرة ربانية نحتاج لها في أيامنا العصيبة هذه، والآن نريدها بالفعل هجرة تطهرنا من أدران الماضي وذنوبه لنهجر بها كل السيئات إلى الحسنات ومن المعاصي الى الطاعات، فالأمة الإسلامية بأشد الحاجة لهذه الهجرة، فالهجرة إذن هي ضرورة حتمية حتى نحرر أنفسنا من المستنقع الخطر الذي أوقعنا الشيطان به. إن هجرتنا من الظلم الى العدل، ومن الفقر للغنى ومن الجهل للعلم، هي أعظم هجرة، فالأخلاق العالية والفضائل هي الرقي والتقدم الحقيقي للمسلم المتطور، وبلا شك أن نبينا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أورثنا العظيم من العادات الإسلامية العالية التي ترضي رب العباد وتدخلنا جنان النعيم، فنحن يا إخوتي في الإسلام بحاجة إلى أن نهجر الضعف للقوة والتفكك للترابط والكره للحب، فالقرآن الكريم يبين لنا أن الهجرة لا بد أن يتبعها التغيير الكامل ويجب ان نفعل دورها، وقد قالها جل جلاله رب العزة في كتابه الكريم: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم - الرعد:11).
ويجب ان يكون تغييرنا لأنفسنا إيجابيا حتى نصل إلى أهدافنا السامية لننال به رضا الله سبحانه وتعالى وحتى أن نكون قوة متماسكة لا يستطيع أعداء الإسلام زحزحتها أو حتى فكها. وقد قال ربنا سبحانه وتعالى أيضا بهذا الصدد في كتابه الكريم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس - آل عمران: 110).
وخلاصة القول إننا مع تفكرنا في هذه الذكرى العظيمة للهجرة النبوية الشريفة التي لا تغيب عن ذاكرتنا، دعونا جميعا نهجر الشر للخير والكره للحب والآثام للتوبة والمغفرة، فنحن البشر في أشد الحاجة لهذه الهجرة حتى نغير ما بداخلنا من أنفاس ملوثة وآثام مدمرة، فلنهاجر الى الله سبحانه وتعالى بكل مشاعرنا الصادقة المدعومة بالخير ومحبة دين الله وبنفس مؤمنة صافية، والكل يجب أن يهاجر الى الله سبحانه وتعالى، فالرياح تهاجر والطيور تهاجر، وكذلك الأشجار تهاجر والمياه تهاجر، وكل المسلمين على هذه الأرض الطيبة يجب أن يهاجروا إلى الله تعالى حتى ينالوا محبته جل شأنه وحتى تعيش أمة الإسلام في أرض المحبة ترفرف عليها أجنحة السلام والسعادة.