كان الشاب اللطيف الجميل يهوى مهنته الرعي، ويجد فيها الهدوء والراحة النفسية، وكان كلما وصل إلى المرعى أخرج مزماره وعزف أجمل الألحان، ولما يعود في الليل يعزف الألحان في بيته، ذات يوم صادف أن مرّ تاجر بالمرعى وسمع صوت مزمار الشاب، فأعجبه وطلب منه أن يلزمه في سفره مقابل مال وفير، وافق الشاب والتحق بموكب التاجر، فقام التاجر يطوف بالقرى، ويقيم الحفلات للشاب، إلى أن ذاع صيته واشتهر بجمال عزفه، وفي يوم طلب الشاب من التاجر أن يقيم حفلة بقريته، فرفض التاجر، لكن وافق بعد إلحاح، ولما أقاموا الحفلة حضر حشد كبير، وعندما عرفوا أن الزمار ما هو إلا الراعي، صدوا عنه وعادوا إلى بيوتهم، بسبب تحقيرهم له وتعودهم عليه، وهنا خرج المثل العربي القائل «زمار الحي لا يطرب».
نسبة ليست بسيطة من العقول الكويتية تتعرض للتهميش والازدراء في بلدها، وتضطر للهجرة إلى أي مكان يحتويها، لأنها لا تطرب، أو لا تغني على هوى بعض المتنفذين، وليست لديهم جودة التملق لهم، ولا يرضى بأن يرى مخالفة القانون ويسكت، فنجد أن هناك مجالات مكتفية فيها الكويت من العمالة الوطنية مثل القانون، ونجد أن المستشارين القانونيين أغلبهم من الخارج، كما نجد أن هناك متخصصين وذوي علم ومعرفة مهملون في أقسام ليست لها علاقات بتخصصاتهم، ونجد أن خريجي جامعات متدنية المستوى يتسيدون المناصب وقاعات الجامعات.
أعتقد أننا تميزنا بأن أوجدنا فلاتر مجتمعية لمنع أي تقدم، ويمنع بدء أي تغيير إيجابي بالمجتمع، فالبطل الذي يجتهد ويستطيع النجاة من العملية التعليمية المترهلة، ويذهب للدراسة في جامعات محترمة في الخارج، عندما يرجع يصطدم بالواسطة، وإذا نجا (وهذا نادر) يصطدم بالبيروقراطية، وإذا نجا يصطدم بالتثبيط والتحبيط الذي يلحقه به المجتمع، ولن نستطيع أن نغير شيئا للأفضل دون هدم هذه الفلاتر في عقول أفراد المجتمع.
عدم وجود مشروع دولة، وخطة واضحة وطموحة للمستقبل، تحتوي العقول وتجعل أفراد المجتمع تنشغل بالإنجاز الحقيقي، سيؤدي إلى تسابق الناس على المناصب والتكدس في وزارات الدولة كبطالة مقنعة، إيجاد خطط وأهداف ينخرط فيها المجتمع، سيؤدي إلى زيادة الوظائف والمناصب التي تحتوي جميع العقول، ويجب علينا التوسع في إنشاء المرافق البحثية، وهي نادرة لدينا أو تكاد تكون معدومة، فلن نستطيع مواكبة التطورات العالمية والحصول على أجدد وأفضل الطرق للتطور دون المرور على مراكز البحوث، وهي بدورها ستستقطب العقول من كافة الدول العربية والعالم، وهذا سينعكس بالإيجاب على الوضع العلمي والمعرفي في المجتمع.