العمر مجرد رقم، فلا يثبطك ذاك الرقم، ولا تنتظر أن يأتيك السقم، من العمل والجد في هذه الدنيا، ولو بلغت من العمر عتيا، فمقولة إن قطار العمر قد فات غير دقيقة في كثير من الأحوال. فهذا سام والتون أسس «وال-مارت» من أكبر الشركات في العالم بعمر 44، وهذا أدي داسلر أسس «أديداس» في سن 49، وهذا جوردن بوكر أسس «ستاربكس» في سن 51، وهذا نشارلز فلنت أسس «آي بي أم» في سن 61، وهذا هارلاند ديفد ساندرز أسس سلسلة مطاعم «دجاج كنتاكي» في سن 62، وغيرهم الكثير.
كم سمعنا من قصص لأشخاص حصلوا على الشهادات العليا والدكتوراه في سن 50 و60 وبل 70. وكم سمعنا من قصص لأشخاص حفظوا القرآن ليس في شبابهم، بل في كبرهم، وكم سمعنا عمن بدأ بتغيير مسار حياته وهو متقدم بالعمر، فبالنهاية العمر مجرد رقم.
عمرك ليس بعدد السنين، فالعمر مجرد رقم، ولكن عمرك بما قدمت في دنياك، فكثير من طال عمره وقل عمله والعكس صحيح. فهذا العالم الذي ذاع صيته وبارك الله بمؤلفاته الإمام النووي، رحمه الله، قد عاش فقط إلى عمر 45 سنة، فرغم قصر عمره بالأرقام فقد ألف أكثر من 20 كتابا، بل فقط بكتابه رياض الصالحين ألقى الله تعالى له القبول في الأمة الإسلامية وذاع صيته حتى اليوم. وهذا العالم الفذ الإمام الشافعي، قد توفي بعمر 54 سنة، ومن منا لا يعرف الإمام الشافعي، رحمه الله، وغيرهم من علماء المسلمين.
فنرى الكثير صغارا بالعمر بالأرقام، كهل وكبير بالعمر بالأقوال والأفعال، وكم من كبير بالعمر بالأرقام، شاب وصغير بالعمر بالأقوال والأفعال. إن الشباب شباب القلب شباب الفكر شباب الروح، فمن شاخت روحه فلن ينفعه صغر سنه، ومن ظلت روحه فتية شابة، سيكون بالنسبة له العمر مجرد رقم.
فلنستغل كل لحظة من أعمارنا، ولا نتحجج بأعمارنا، فالعمر مجرد رقم، وحقيقة أرقام أعمارنا، هي أفعالنا وما قدمنا خلال هذا العمر الذي يتم وصفه برقم.
هذه المقالة دعوة تفاؤل لا تشاؤم، دعوة عمل لا كسل، ونختم بكلام أفضل البشر، فهذا نبينا ﷺ يقول «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» (رواه البخاري). فهو دليل على الترغيب في العمل، واغتنام كل لحظة من حياتنا وحتى آخر فرصة من الحياة، ونعلم علم اليقين أن العمر مجرد رقم، وعمرك لا يقاس بالأرقام، ولكن بما قدمت لرب الأنام، نسأل الله حسن الخاتمة.