«قيل ويقال».. جملة أقامت الدنيا ولم تقعدها، فالكل شغله الشاغل «قيل ويقال»، فمن خلالها يصنعون من اللاشيء شيئا، ويجعلون من الحبة قبة، وهي سبب الخصومات والنزاعات ليس بين الأفراد فحسب وإنما بين الدول، ولاتزال سوق قيل وقال رائجة وقائمة على قدم وساق، وبضاعتها مرغوبة وتشترى، فهي قصة طويلة لا نهاية لها، وعلى ذكر قيل ويقال فنحن أبناء يعرب مغلوب على أمرنا، وأكثر ما ضيعنا كثرة ترديدنا وسماعنا لقيل ويقال، وقالوا وقلنا، ولا أنسى كذلك العهدة على الراوي، أو العهدة على من روى، وهي عبارات لا توردنا الماء، بل إنها تدخلنا في متاهات لها أول وليس لها آخر، ثم ان قيل وقال قابلة للكذب والإضافة والتغيير والتكبير والتصغير، وقد نهانا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وهو القدوة والأسوة الحسنة عن قيل وقال وكثرة السؤال، فعلينا ألا نلتفت إلى «قيل وقال» ولا نعيرها اهتمامنا، إن «القيل والقال» يا سادة مستنقع كله فوضى، من دخله وتوغل فيه تمنى لو لم يدخله، فتجد به النميمة والغيبة والوشاية والإشاعة والحسد والظلم والبهت والقلق والتردد والمتردية والنطيحة، وغير ذلك الكثير، ومع ذلك فهناك أناس كثر يعشقون القيل والقال ويقتاتون عليها صباح مساء وكأنها وجبتهم الرئيسية التي لا غنى لهم عنها ولله در الرازي حيث يقول:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وحتى من يريد أن يتخذ قرارا أو يقدم على عمل مهم في حياته، عليه ألا يلتفت إلى هذه المقولات المحبطة التي تجعله مترددا وقلقا، ولا يعيرها اهتمامه، بل يرميها وراء ظهره ويتوكل على الله، كنحو قول الخليفة المنصور
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
ونحن نعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك وقد قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وهو من العلم بمكانة عظيمة: مهما أردت رضا الناس لن أستطع ذلك وسأذم، ثم إن الإشاعات والشائعات التي نسمعها وتغض مضاجعنا إنما عمودها وأساسها قائم على قيل وقال، فيا أهل قيل وقال كفوا وعفوا واتركوا الناس وشأنهم:
صن النفس واحملها على ما يزينها
تعش سالما والقول فيك جميل
ودمتم سالمين.