عندما نتحدث عن تاريخ الكويت نقف وقفة إجلال واحترام وتقدير لأول من خط بيده تاريخنا بكل أمانة، فكفانا الحل والترحال، فهو صاحب السبق و«الأولية المطلقة» في هذا الجانب المهم، إنه الشيخ الجليل عبدالعزيز الرشيد، رحمه الله، هذا الرجل النادر الذي كرس جهده وعلمه وذكاءه وسنين عمره لخدمة وطنه بكل إخلاص، فدعا للتعليم وإنشاء المدارس، وعمل الخير ورفعة شأن الكويت وأهلها، حتى فارق الدنيا، رحمه الله، ولا أشبهه إلا بقول الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
واسمه بالكامل عبدالعزيز بن أحمد بن رشيد بن ابداح، وفي شبيبته رحل مشمرا عن ساعده في طلب العلم، فزار الأحساء والزبير وبغداد والمدينة المنورة، ثم عاد ليدرس في المدرسة النظامية الأولى في الكويت وهي «المباركية»، واقترح في هذه الأثناء إنشاء مدرسة نظامية ثانية في مجلس السيد خلف باشا النقيب، فقوبل اقتراحه بالموافقة الجماعية وأنشئت «المدرسة الأحمدية» عام 1921. وكان الشيخ عبدالعزيز محاربا شرسا للبدع والخرافات والجهل، فنجح نجاحا كبيرا في ذلك، وكان خطيبا مصقعا وأديبا وشاعرا، وأسهم في إنشاء النادي الأدبي والمكتبة الأهلية.
ومؤرخنا الراحل، رحمه الله، كان أول من أصدر مجلة كويتية أسماها «مجلة الكويت» عام 1928 ثم «مجلة التوحيد» وغيرهما.
وقبل هذا التاريخ عندما أصدر الشيخ أحمد الجابر الصباح، رحمه الله، أمره بإنشاء مجلس الشوري عام 1921 كان أحد أعضائه، وكان يحضر مجلسه واعظا ومرشدا. أما فيما يخص مؤلفاته فهي كثيرة، وأهمها «تاريخ الكويت» الذي صدر عام 1926، ويعد المرجع الأول على مستوى الدولة.
وعرف عن الشيخ عبدالعزيز قوة الشخصية والشجاعة والعلم الغزير، وكان شهما نبيلا جوادا أريحيا عالما عابدا فاضلا، وهذه شهادة من عاصره من العلماء والأدباء. وقد حضر معركة الجهراء وكان خير شاهد على أحداثها فاستفاد منه المؤرخون والباحثون استفادة كبيرة، ثم سافر إلى إندونيسيا في سنينه الأخيرة لنشر الإسلام واستقر في «جاوة»، وأصدر هناك مجلة «الكويت والعراقي» اشترك معه فيها الأستاذ يونس بحري وصدرت عام 1931، وفي هذه المدينة لاقى مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبدالعزيز الرشيد وجه ربه عام 1938، وهو في الواحدة والخمسين من عمره، وما إن وصل خبر وفاته إلى الكويت حتى تأسف الناس عليه تأسفا شديدا وترحموا عليه، فرحيله يعد خسارة فادحة على العلم والعلماء، رحمه الله.
ودمتم سالمين.