يطفئ الموت ما تضيئه الحياة، فيخطف من نعز، ويأخذ من نبتغيه، لا يعرف ظرفاً ولا يدرك وقتاً، مخلفاً أحزانا تلبد الماضي الخلاب، وتبتر الحاضر الجذاب.
وهكذا هو في زمان قريب ممتد منذ بعيد، رياحينه العم نعمة الحايف العنزي، وزينته صورته في عيوننا، وصوته وصداه وكلماته وابتسامته تلف أفئدتنا، وتحتضنها قلوبنا.
العم نعمة الحايف، صبيحة الاثنين الثامن عشر من يوليو الجاري، لم نعد نراه، تحشرجت عباراتنا، وهلت دموعنا، واعتصرت أنفاسنا، وتثاقلت خطانا، وتاهت أفكارنا.. نبأ رحيله إلى البارئ عز وجل، حط علينا كالصاعقة، «بو سعد» رحمه الله، كان نور فريجنا، وشمعة بيوته، ونبع ذكرياتنا، غادرنا، تاركا لنا آلام فراقه، وذكريات الأمس الجميلة منذ سنين طويلة مع من سبقوه، خرجنا إلى الدنيا، فوجدناه لنا «أباً وعماً وجاراً» هو من أهل البيت، وواحد من أفراده، بل هو صاحب الدار وأعز ما فيها.
نرثيك «بو سعد» ونعزي ذويك؟.. لا والله، بل نرثي حالنا، نتلقى العزاء في مصابنا.. نبكي عميد الفريج، وسيد الطيبين.
ونسأل الله أن يلهمنا مع أهله ومحبيه الصبر والسلوان، ففقيدنا سيرته العطرة محفورة في الضمائر، ومتشبثة بالأرواح، متحدرة في أنفاس كل من عرفه وجالسه وسمع منه، كبيرا منا أو صغيرا، فجميعنا ننطق بصوت واحد: «وإنا على فراقك لمحزونون».
العم «بو سعد»، صورتك في بصري منذ طفولتي، وكم هي السنين والأيام كثيرة، مجالسنا معك تذكرنا بروحك الطيبة البسيطة العفوية.. واليوم، أيها الراحل الغالي، حتى حجر منزلك الذي زينته لأكثر من 50 عاما، يشكو فراقك، ومجلسك يحن إلى حديثك وهيبتك، وشارعنا يتفقدك.
فإلى جنة الخلد أيها الخالد في أعماقنا، فما أجمل ذاك الزمان بمثلك، كريما صادقا طيبا شهما حكيما عزيزا، إن اختلفت الأقوال، فلنختلف على ما كنت عليه من وصفة نادرة في معاني الرجولة والإنسانية والأخلاق الفاضلة.. فكنت وستبقى الثريا مقاما وإجلالا وتقديرا.
[email protected]