كلما وصلت أوراق الرزنامة إلى اليوم الذي يوافق التاريخ فيه الثاني من أغسطس جالت بالذاكرة ذكرى الغزو الغاشم لوطننا الحبيب الكويت في ذلك اليوم الذي اختلطت فيه مشاعر الحزن والخوف بمشاعر الصدمة والتحدي ومشاعر القوة والتصدي، لم نكن نعي وقتئذ ما يحدث من حولنا، فالكل يتساءل مستغربا ما يدور حوله ولا يجد إجابة وافية لذلك.
فكل ما يقال هو هجوم غدر وطعنة خيانة من جار عربي مسلم، مددنا يدنا له بالأمس القريب لنساعده في تعمير بلاده إثر الحرب العراقية - الإيرانية التي دمرت الكثير في العراق، ولكن لم يكن وفيا لتلك المساعدات فلم ننجُ من طعنة غدره وخيانته.
سبعة شهور حملت في طياتها الكثير من المواقف والأحداث، لحظات مريرة كانت تمر وكأنها ساعات، وأيام عصيبة مرت وكأنها سنوات، عشناها بآهات من الألم، ولكن بقدر الألم الذي عشناه كان الأمل موجودا بتحرير بلادنا الحبيبة الكويت من هذا الاعتداء والاحتلال السافر والغاشم، فاتحد الشعب الكويتي قلبا وقالبا وانتفت فيه كل معارضة سياسية وكل الطوائف والقبائل، فكل منا لم يكن يمثل سوى الكويت، والتف جميع الشعب الكويتي حول قيادته الشرعية المتمثلة في ذلك الوقت بسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، وولي عهده سمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، رحمهما الله وطيب ثراهما، لنثبت للعالم أجمع أنه لا قيادة لنا إلا بهم ولا حكم لنا إلا حكم آل الصباح.
فانتفض العالم دفاعا وانتصارا للحق ولعودة الحرية لهذا البلد الصغير بمساحته الكبير بشعبه، فاتخذت الدول الشقيقة والصديقة موقفا جادا ومشرفا لتحرير كويتنا الحبيبة وعودة القيادة الشرعية لها بكل قوة وفخر واعتزاز.
إن يوم الغزو الغاشم كان المنعطف الكبير في تاريخ الكويت لما سطر فيه أبناء هذا الشعب الصغير في تعداده والكبير في أفعاله من تضحيات كثيرة تمثلت في أغلى ما يملك الإنسان وهي الروح، فارتوت أرض الكويت بدماء أبنائها الشهداء الذين قاوموا هذا الاحتلال بكل ما يملكون من قدرات حتى دفعوا أرواحهم ثمنا لتحرير هذا الوطن الغالي والذي ننعم بخيراته اليوم ونعيش على أرضه التي ارتوت بدمائهم الطاهرة.
ولكن ما زاد هذا اليوم حزنا هو ارتباط هذا التاريخ برحيل أمي الغالية، أمي التي زرعت بقلوبنا معنى الوطن، وعلمتنا كيف أن الاتحاد قوة وكيف أن المحبة والترابط في الأسرة الصغيرة ينعكس بالقوة والترابط على المجتمع الأكبر، علمتنا أن الالتزام بتقوى الله هو أساس التوفيق وأن العمل بنية صادقة من أجل بناء هذا الوطن هو أساس النجاح.
أمي الحبيبة التي مهما ذكرت مناقبها وأثرها في بناء شخصيتي وأخوتي لن أوفيها حقها، وعزاؤنا الوحيد بعد رحيلها هي ذكراها الطيبة لكل من عرفها وتعامل معها، فقد منحها الله تعالى معرفة التداوي بطب الأعشاب للأطفال، حيث كانت تقوم بذلك بصورة مجانية قاصدة الأجر من الله عز وجل، وبفضله تعالى كان يكتب لكل من يقصدها بالشفاء العاجل، رحلت والألسنة تلهج بالدعاء لها عن كل عون قدمته للمحتاجين ولكل دواء قدمته لمريض، ولكل كلمة طيبة جبرت بها الخواطر والقلوب.
ويبقى 2 أغسطس محفورا بالذاكرة، ففي عام 1990 حفرته ذاكرة التاريخ لاعتداء غاشم على الوطن الحبيب، وبفضل الله تعالى ونصرة الدول الأشقاء والأصدقاء عاد الوطن، وتحرر بلد الأجداد من دنس الأوغاد.
وفي عام 2010 حمل معه ذكرى رحيل عمود منزلنا والخيمة التي تظللنا، أمي الغالية رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وفي الفردوس الأعلى.
سائلين المولى عز وجل أن يديم نعمة الأمن والأمان على وطننا الحبيب الكويت ويحفظها وأميرها وشعبها وكل من يقيم على أرضها من كل مكروه. وأن يرحم شهداءنا الأبرار فهم أزهارنا اللي اقتلعت من دار الدنيا الفانية لتبقى في جنان الآخرة الباقية، وهم أحياء عند ربهم يرزقون.